الإخلاص في حقيقته قوة إيمانية وصراع نفسي يدفع صاحبه بعد جذب وشد إلى يتجرد من المصالح الشخصية وان يترفع عن الغايات الذاتية وأن يقصد من عمله وجه الله لا ينبغي من وراءه جزاء ولا شكورا.
وإذا استمر المخلص على هذه الحالة من المجاهدة والتغلب على وساوس الشيطان والنفس الامارة بالسوء يصبح الإخلاص في أعماله كلها خلقاً وعادة بل تصبح الاعمال التي تصدر عنه خالصة لله رب العالمين دون أن يجد في ذلك أي تكلف أو مجاهدة ؟!!
وهذا المعني للإخلاص هو المقصود من قوله جل جلاله في هذه الآيات:
"وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء .." - "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً" - "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله ، لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً".
وهو المقصود أيضاً من قوله عليه الصلاة والسلام في هذه الأحاديث:
روى الشيخان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى الدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)).
وروى أبو داود والنسائي بإسناد جيد عن أبي أمامه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجه)).
روى الحاكم وقال: صحيح الإسناد عن معاذ بن جبل أنه قال حين بعث إلى اليمن: يا رسول الله أوصني قال له عليه الصلاة والسلام : ((أخلص دينك يكفك العمل القليل)).
ولكن ما حقيقة العمل الخالص ؟ أي عمل يقوم به المسلم في الحياة لا يكون مقبولاً عند الله عز وجل ولا يكتب في سجل الحسنات إلا أن يتصف بشيئين :
الأول: أن يكون موافقاً للشريعة.
الثاني: أن يكون خالصاً لله.
فإذا كان العمل موافقاً للشريعة ولم يكن خالصاً لله لم يقبل وإذا كان خالصاً لله ولم يكن موافقاً للشريعة لم يقبل العمل إلا إذا كان على وفق الشريعة وكان خالصاً لله !!.
وهذا المعنى لقبول العمل عند الله هو ما بينه علماء السلف وقرروه لتلامذتهم ولقنوه جيل الإسلام لينشأ الجيل على الاتباع الكامل والإخلاص الصادق ويتصف أيضاً بالعمل الصالح والسمعة الطيبة .
إليك أخي الداعية هذا الحوار الذي جرى مع أحد السلف:
سئل الفضيل بن عياض عن أحسن العمل في قوله تعالى: "ليبلوكم أيكم أحسن عملاً"؟
قال: أحسن العمل أخلصه وأصوبه، وإن العمل إذا كان خالصاً، ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل العمل حتى يكون خالصاً صواباً!!.
وقال: والخالص ما كان لله والصواب ما كان على الشريعة، ثم قرأ قوله تعالى في آخر سورة الكهف: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعباده ربه أحداً".
والداعية إلى الله هو أولى من غيرة في التحقيق بالعمل الصالح المقبول عند الله عز وجل.
فما عليك أخي الداعية إلا أن تنظر في أعمالك التي تصدر منك: هل هي موافقة لشريعة الله وداخلة في تعاليم المنهج الذي رسمه الله؟، وهل هي خالصة لوجه الله الكريم لا تبغي من ورائها جزاء ولا شكوراً؟.
فإذا كانت كذلك فاسأل الله سبحانه الثبات وتطلع دائماً إلى المزيد والتدريج نحو الكمال وإذا كانت غير ذلك فتب إلى الله عز وجل وصحح النية وأخلص لله واجتهد بكليتك على أن يكون العمل على وفق شريعة الله وعلى أساس المنهج الذي رسمه الله لعباده.
ما هي صفات المخلصين الدعاة؟
سبق أن ذكرنا قبل قليل أن أي عمل لا يتصف بالصلاح والقبول حتى يكون على الشريعة ويكون خالصاً لله .
فبناء على هذا المعنى لقبول العمل واتصافه بالصلاح يجب على الدعاة أن يدركوا الحقائق التالية :
أولاً: أن يقصدوا من دعوتهم وجه الله .
ثانياً: أن تكون جميع تصرفاتهم وأعمالهم وسلوكهم الاجتماعي علي وفق الشريعة الله .
ثالثاً: أن يحاسبوا أنفسهم بشكل دائم وأن يتساءوا ماذا يريدون من تبليغ الدعوة ؟ وماذا يقصدون من دعوة الناس ؟
رابعاً: أن ينظروا إلى مفاهيم هل هي مطابقة لأقوالهم ولسان حالهم ؟
خامساً: أن يحذروا مكائد الشيطان ووساوس النفس والهوى وفتنة العجب ومزالق الرياء .
فالدعاة إلى الله إذا أدركوا هذه الحقائق واتصفوا بهذه الصفات ساروا صادقين في درب الإخلاص ومضوا مخلصين في طريق الدعوة وحقق الله سبحانه علي أيديهم إصلاح البشر وهداية الشعوب بل الناس يتأثرون بهم ويستجيبون لدعوتهم ويقبلون هدى الله عز وجل طائعين مختارين.
ولتعلم أخي الداعية أثر الإخلاص في الدعوة، وأثر المخلصين المخبتين في الناس...