أطلقت أكبر مؤسسة رسمية تعنى بالأقليات المسلمة في أوكرانيا قبل نحو عامين مشروعا ضخما لتوزيع نحو 150 بيتا بلاستيكيا للزراعة المغطاة (صوبة) على أفقر أسر مسلمي تتار إقليم شبه جزيرة القرم، وذلك بالتعاون مع بيت الزكاة الكويتي وعدة مؤسسات وجمعيات اجتماعية وخيرية إسلامية أخرى.
وقال رئيس اتحاد المنظمات الاجتماعية "الرائد" د. إسماعيل القاضي إن أهمية المشروع تأتي من كون الزراعة كانت ولا تزال مهنة تتار القرم الأولى والأكثر انتشارا بينهم حيث يمارسها 80%.
وأضاف القاضي للجزيرة نت أن معظم تتار القرم ينتمي إلى طبقة اجتماعية فقيرة جدا، ويعجز عن القيام بأي مشروع اقتصادي بسبب غياب رأس المال، إضافة إلى استمرار معاناة استعادة الأراضي والممتلكات التي صودرت منهم إبان حكم النظام السوفياتي السابق، واقتصار عملهم على زراعة مساحات قليلة ووعرة في المناطق النائية التي سكنوها بعد عودتهم من المهجر.
وعن أهداف المشروع أوضح القاضي أنه يهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق زيادة في الاكتفاء الذاتي لدى مسلمي الإقليم وتحسين مستواهم المعيشي، من خلال بيعهم لمنتجات زراعتهم في الأسواق المحلية، وكذلك محاربة مظاهر الفقر والبطالة المنتشرة بين نحو 60% منهم.
واعتبر أن المشروع واعدا جدا، لأنه يضمن إلى حد كبير سلامة المزروعات من تقلبات الطقس وطرحها المبكر في الأسواق.
وتوقع القاضي أن تكون منتجاته من الخضر والفواكه منافسة في الأسواق التي تعتمد بشكل رئيسي على منتجات الاستيراد الخارجي غالية الثمن، وأعرب عن أمله بأن يستطيع الاتحاد مستقبلا تأمين بيوت مماثلة لمزيد من الأسر.
مراحل المشروع
وقال د. محمد طه مدير المشروع ورئيس فرع "الرائد" في القرم إن مراحل المشروع تضمنت إعداد عدة إحصائيات حول مناخ ونوعية أراضي القرم وأعداد المحتاجين من التتار، وكذلك واقع سوق الخضار والفواكه في الإقليم.
وأضاف للجزيرة نت أنه جرى تنظيم عدة دورات تخصصية للمزارعين التتار، لتعليمهم كيفية التعامل مع البيوت البلاستيكية وتحقيق أكبر فائدة منها، إضافة إلى تزويدهم بما يحتاجون إليه من مواد لبدء العمل فيها، كالبذور والأسمدة والمبيدات الحشرية وغيرها.
وأشار أيضا إلى أن الخطة تتضمن أيضا التواصل الدائم مع الأسر التي يحصلون على هذه البيوت، لتعليمهم أمور دينهم، وتوثيق ارتباطهم به.وقد بدأت نتائج المشروع ترى النور مع انتهاء توزيع البيوت على 150 أسرة تترية في مختلف مناطق الإقليم، وهو ما لقي ترحيبا كبيرا من قبلهم.
جلنارا عباد اللايفا (35 عاما وأم لثلاثة أطفال يتامى) قالت للجزيرة نت "اضطررت للعمل في الأرض بعد وفاة زوجي، لكن الأمر كان في غاية الصعوبة بسبب قلة خبرتي والبرد القارص الذي قضى على المزروعات، والحمد لله تمكنت بعد حصولي على البيت البلاستيكي من الزراعة بسهولة، وبعت جزءا كبيرا من الخضر التي زرعتها في السوق وبسعر جيد".
وأعرب عباس غفاروف (55 عاما ومعيل لأسرة مكونة من سبعة أفراد) عن شكره لكل من ساهم في هذا المشروع، وقال "اضطررت للعمل في عدة ميادين أخرى لتأمين لقمة عيش لأبنائي، أما الآن فأنا أشعر بسعادة غامرة ولدي أمل كبير في العودة إلى مهنتي الأصلية (الزراعة)، بعد أن توفرت عدة من مقومات نجاحها".وعن المحاصيل التي سيزرعها قال غفاروف "سأزرع الخيار والطماطم والفراولة والفجل، هذا ما كنت في السابق أزرعه".
يذكر أن نحو 400 ألف مسلم تتري يعيش في إقليم شبه جزيرة القرم جنوب أوكرانيا، ينتمي معظمهم إلى طبقة اجتماعية متوسطة وفقيرة بسبب تبعات ما ألحقه القرن الماضي من ويلات عليهم، كقتل وتهجير مئات الألوف منهم في العام 1944 إلى دول شرق آسيا بدعوى خيانة الوطن والنظام السوفياتي ومساندة الجيش النازي أثناء الحرب العالمية الثانية، وكذلك مصادرة بيوتهم وأراضيهم وأملاكهم، وهدم معظم مؤسساتهم الخاصة التعليمية منها والدينية.
ورغم أن النظام السوفياتي السابق برأ التتار رسميا من تهمة الخيانة في العام 1967 لم يسمح لهم بالعودة إلى موطنهم الأصلي إلا بعد انهياره واستقلال أوكرانيا عام 1991، حيث بدأ مشوار عودة تتار القرم إلى موطنهم لمواجهة معاناة إثبات الجنسية واسترجاع الأراضي والممتلكات التي صودرت منهم ووزعت على غيرهم، وكذلك حفظ اللغة وحصانة الهوية، وهو ما لا يزال مستمرا حتى يومنا هذا.
الخبر كما ورد على موقع الجزيرة نت (هنا)