صفوان جولاق – كييف
تستمع إليهم وهو يقرؤون القرآن فتتعجب، لأن كثيرا منهم يتقنون حفظه ومخارج حروفه، في حين أنهم بالكاد يتحدثون العربية معك، وعندها لا تخلوا أي جملة من أخطاء النطق أو النحو.
لكن الأعجب من هذا، أن الأعوام التي تلت استقلال أوكرانيا عام 1991، كشفت حجم تمسك مسلميها بدينهم، و"اندفاعهم" –كما يقول بعضهم- لتعلمه وحفظ كتابه، بعد عقود طويلة قضوها في غياهب الحرمان والتهميش و"برامج التذويب" إبان الحقبة السوفييتية.
أمر جامع بين قصص التهجير القسري لتتار القرم عام 1944، وهو أن كثيرا من الأسر عمدت إلى حمل المصاحف بدل حمل أي متاع آخر، فحفظت بركته وجودهم وهويتهم، كما يرون.
عشرات الحفاظ
في العام 2004، ضجت وسائل الإعلام بخبر الطفل التتري سليمان ولييف، كأول حافظ للقرآن في أوكرانيا، بعد 100 عام من حرمان قومه تعلم وممارسة دينهم.
واليوم، ثمة في أوكرانيا عشرات الحفاظ، ومئات آخرون على هذا الطريق؛ وهذا ما كشفته المسابقة القرآنية السنوية في أوكرانيا، التي أقيمت يومي السبت والأحد الماضيين في كييف، برعاية الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم.
شادي شاور رئيس القسم الثقافي في اتحاد المنظمات الاجتماعية "الرائد"، وهو الجهة المنفذة للمسابقة، قال إن عدد المشاركين 55، نحو 40 منهم من النساء والأطفال، ومن بين المجموع الكلي ثمة نحو 20 متسابقا من التتار، أو الذين ولدوا في أوكرانيا، أو الأوكرانيين الذين اعتنقوا الإسلام.
وقال شاور إن أعداد المشاركين كان يجب أن تكون أكبر، لولا احتلال روسيا للقرم الذي صعب إجراءات التنقل، وينشر مخاوف أمنية بين شريحة واسعة من التتار.
ولفت في هذا الإطار إلى أن شبه الجزيرة شهدت خلال الأعوام العشر الماضية انتشار مراكز ومدارس التحفيظ، ومن أبرزها مركز "الرضوان" بإشراف الهيئة العالمية.
عنق الزجاجة
تسأل الآباء عن أسباب دفع أبنائهم للحفظ، فترى أن الإجابة مرتبطة غالبا بالحفاظ على الدين وحصانة الهوية، الأمر الذي كان تحديا صعبا بالنسبة لهم وللأجداد.
الشيخ سعيد إسماعيلوف مفتي الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا "أمة" قال: "تتار القرم عانوا أكثر من غيرهم من المسلمين خلال الحقبة السوفييتية، ولعلهم كانوا أكثر تمسكا بالإسلام من غيرهم، منذ بداية تهجيرهم القسري وحتى العودة".
وتابع: "إذا ما أضفنا حقيقة أن أوكرانيا هي من أكثر الدول السوفييتية السابقة انتشارا للحريات الدينية وغيرها الآن، نستطيع أن نستوعب إقبال مسلميها على الدين والتدين، لأن فيه استمرار لتشبث وفخر بالهوية، خاصة بعد الخروج من عنق الزجاجة".
لكن مفتي مسلمي أوكرانيا عبر عن مخاوف من تضييق يمارس ويزيد على تتار القرم، حيث تجري في القرم عمليات دهم وتفتيش واعتقال في مراكز ومساجد وبيوت التتار، خاصة إذا كانوا ناشطين في مجالات السياسية والتدين، عقابا لهم على موقف معارضة الانفصال عن أوكرانيا والانضمام لروسيا.
تتار القرم هم المكون الرئيسي للمسلمين في أوكرانيا، تتراوح أعدادهم بين 300-500 ألف نسمة وفق عدة إحصائيات، مشكلين نحو 25-50% من أعداد مسلمي البلاد، وفق إحصائيات متفاوتة أيضا.
أوكرانيا برس - الجزيرة