صفوان جولاق – كييف
أيام قليلة مرت من شهر رمضان المبارك، لكنها كانت كافية لإبراز واقع جديد لافت في أوكرانيا، يتلون بألوان ثقافات مسلميها ومسلمي دول الاتحاد السوفيتي السابق، إضافة إلى مشاركة عربية وأفريقية أيضا.
لأنها كانت دولة رئيسية في جسد الاتحاد السوفييتي، استقر في أوكرانيا كثير من مسلمي دول الاتحاد بعد انهياره، وتجنسوا بجنسيتها، حتى باتوا جزءا رئيسيا من مكون مجتمعها المسلم، الذي كان يقدر بنحو 2 مليون مسلم قبل أن تضم روسيا القرم إليها، وتشتعل الحرب مع الانفصاليين في الشرق.
ونزوح الآلاف من تتار القرم عن الجنوب، وتتار كازان عن الشرق، أضاف في هذا العام أعدادا على مسلمي العاصمة كييف التي يعيش فيها نحو 100 ألف مسلم وفق تقديرات غير رسمية، وألوانا ثقافية جديدة برزت بعد أن نظموا أنفسهم في جاليات.
تنوع واندماج
تنوع مسلمي أوكرانيا يلقي بظلاله على إحياء أيام وليالي رمضان ويجعلها مختلفة في المركز الثقافية الإسلامية بكييف وغيرها من المدن، التي يشرف عليها اتحاد المنظمات الاجتماعية "الرائد"، أكبر وأبرز مؤسسة تعنى بشؤون العرب والمسلمين في أوكرانيا، فلا تعجب هنا إذا رأيت ما يشبه الاستعراض، فالكثيرون يفخرون بأنهم حملة ثقافة وعادات وفلكلور، حتى وإن كانوا جميعا مواطنين أوكرانيين.
وعلى سبيل المثال، تنتشر في رمضان العاصمة هذا العام طريقة الطهي التترية "كوكو تشيكارماك" (نشر رائح الطعام)، حيث يعمد التتار والأوزبيك إلى طهي مختلف أنواع الطعام في الهواء الطلق، ليشم الجيران والمارة الرائحة ويأتون للأكل معا.
ولا تعجب كذلك إذا ما رأيتهم يشاركون معا في أدق الفعاليات الرمضانية، حتى وإن كانت تتصل بثقافة أو عادات فئة ما، كأن يقوم الأفريقي أو التتري بطبخ المنسف الأردني والفلسطيني للإفطارات الجماعية، ويقوم العربي بطبخ "البلوف" التتري، بل ويتنافسون ويتحدون بعضهم في هذا المجال بطرافة.
تنوع واندماج إيجابي بعين من تحدثنا إليهم داخل المركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة، ومنهم الشاب عبد الله من غانا، الذي قال إن " رمضان موسم يجمع ببرامجه مسلمي أوكرانيا على أرض واحدة، ولساعات طويلة تزيل كل الحواجز والاختلافات".
ويقول المسلم الأوكراني الأصل فيتاليك: "جلسنا مرة في حلقة بعد الإفطار، وعندما تعارفنا تبين أن الجالسين ينحدرون من 13 جنسية، وعندها لمست معنى الوحدة والأخوة، وشعرت بالسعادة".
استحضار الأزمة
ولكن رغم مشاهد إحياء الشهر هذه، لا تغيب الأزمة عن الأجواء مطلقا، خاصة وأنه رمضان الثاني الذي يمر بالنسبة للبعض بعيدا عن بيوتهم وأسرهم.
إبراهيم إسماعيلوف شاب تتري قرمي، قال: أجواء رمضان في كييف غنية، ولكني أحن إلى أيام شهر رمضان بالقرم، حيث البيئة أكثر إسلامية بسبب كثرة المسلمين التتار؛ وأحزن لأن واقع الأهل والأصدقاء يسوء، في ظل الاحتلال الروسي وغلاء الأسعار".
ويقول الشيخ سعيد إسماعيلوف مفتي الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا "أمة"، وهو من النازحين بسبب الحرب عن الشرق، يقول إن "ألم المسلمين شديد في أوكرانيا، فكثير منهم قتل أو جرح أو نزح أو خسر، ولكن نسأل الله أن يرحمهم وينهي محنتهم، ويخفف عنهم وعن جميع المسلمين حول العالم".
أوكرانيا برس - الجزيرة