الشيخ مجد مكي
في مثل هذا اليوم الأغر 12 ربيع الأول ولد سيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم بشعب بني هاشم في مكة صبيحة يوم الاثنين الموافق الثاني عشر - على الأشهر - من شهر ربيع الأول عام الفيل الموافق لسنة 571 م.
وكانت قابلته الشفاء بنت عمرو أم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، ولما ولدته أمه رأت في منامها أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام ، وأرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بولادته فجاء عبد المطلب مستبشراً مسروراً وحمله فأدخله الكعبة وشكر الله ودعاه، وسمَّاه محمداً رجاء أن يُحمد ، وعقَّ عنه وختنه يوم سابعه وأطعم الناس كما كان العرب يفعلون .
وكانت حاضنته أم أيمن : بركة الحبشية مولاة والده عبد الله، وقد أسلمت وهاجرت ،وتوفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر أو ستة.
الهجرة
في مثل هذا اليوم الأغر 12 من ربيع الأول لسنة 14 من البعثة، كانت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
علمت قريش بإسلام فريق من أهل يثرب فاشتد أذاها للمؤمنين بمكة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة فهاجروا مستخفين إلا عمر رضي الله عنه فإنه أعلم مشركي قريش بهجرته وقال لهم : من أراد أن تثكله أمه فليلحق بي غداً ببطن هذا الوادي فلم يخرج له أحد .
وبعد بيعة العقبة الثانية أيقنت قريش أن المسلمين بالمدينة في عزة ومنعة فعقدت مؤامرة كبرى في دار الندوة للتفكير في القضاء على الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، فاستقرَّ رأيهم على أن يتخيروا من كل قبيلة منهم فتىً جلداً فيقتلوا الرسول صلى الله عليه وسلم جميعاً فيتفرق دمه في القبائل ولا يقدر بنو عبد مناف على حربهم جميعاً فيرضوا بالدية، وهكذا اجتمع هؤلاء على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة ينتظرون خروجه .
لم ينم النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة على فراشه، وإنما طلب من عليّ أن ينام مكانه، وأمره إذا أصبح أن يرد الودائع التي كان أودعها كفار قريش عنده إلى أصحابها، وغادر الرسول صلى الله عليه وسلم بيته، وأعمى الله أبصار الموكلين بقتله، وذهب إلى بيت أبي بكر رضي الله عنه، وكان قد هيأ من قبل راحلتين له وللرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت رحلة الهجرة المباركة قال تعالى : "إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها" [ التوبة 40 ].
ودخل النبي صلى الله عليه وسلم قباء يوم الاثنين 12 ربيع الأول سنة 14 من البعثة في وقت الظهيرة ، وكان الأنصار يغدون كل يوم إلى الحرة ترقبًا لقدومه حتى يلفحهم الحر فيعودوا، وفي هذا اليوم جاء الأنصار، ثم ذهبوا فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم قباء رآه يهودي من أهل المدينة، فنادى بأعلى صوته: " يا معاشر العرب ! هذا جدكم الذي تنتظرون"، فكبّر الناس فرحًا بقدومه، وخرجت المدينة لاستقبال النبي صلى الله عليه وسلم.
الوفاة
في مثل هذا اليوم الاثنين 12 من ربيع الأول سنة 11 من الهجرة توفي الرسول صلى الله عليه وسلم. لما أكمل الله برسوله صلى الله عليه وسلم الدين، وأتم به النعمة على المؤمنين، وبعد أن بلغ البلاغ المبين، وأدى الأمانة، وترك الأمة على المحجة البيضاء، اختاره الله لجواره واللحاق بالرفيق الأعلى من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين فابتدأ به المرض في آخر شهر صفر وأول شهر ربيع الأول ، واشتدَّ المرض برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل يسأل أزواجه ؛ أين أنا غدًا ؟ أين أنا غدًا ؟ ففهمن مراده، فأذنَّ له أن يكون حيث شاء، فانتقل إلى بيت عائشة.
وفي أثناء مرضه خرج إلى الناس عاصباً رأسه يتوكأ على العباس وعلي، فصعد المنبر وتشهَّد ثم قال: "إن عبداً من عباد الله خَيّره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله" ففهمها أبو بكر رضي الله عنه فبكى وقال : بأبي وأمي نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "على رسلك يا أبا بكر" ، ثم قال: "إن أمنَّ الناس علىَّ في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن خلة الإسلام ومودته ".
و كان الرسول صلى الله عليه وسلم خلال فترة مرضه يصلي بالناس قاعدًا حتى اشتدّ عليه المرض، فأمر أبا بكرًا أن يصلي بالناس، وذلك ابتداءً من صلاة العشاء قبل الوفاة بأربعة أيام يوم الخميس .
وفي آخر يوم في حياته صلى الله عليه وسلم خرج على المسلمين أثناء صلاة الفجر، فنظر إليهم من ستر حجرة عائشة، فضحك وتهلل وجهه كأنه قطعة من القمر أو ورقة مصحف مذهبة، فلما ارتفع الضحى دعا فاطمة ابنته، فأسرَّ لها بشيء فبكت ثم ضحكت، بكت لما أخبرها بموته ، وضحكت لما أخبرها أنها أول أهله لحاقاً به، وكان ذلك من علامات النبوة .
ولما اشتدَّ به الوجع قال لعائشة: "يا عائشة! ما أزال أجد الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم"، ثم دعا بسواك وتسوّك به، ثم رفع إصبعه وشخص بصره نحو السقف، وقال: "مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى ـ كررها ثلاثًا"، ثم قُبض صلى الله عليه وسلم .
قال أنس بن مالك: "ما رأيت يومًا قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت يومًا كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم". و كان ذلك يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشرة من الهجرة .
واضطرب الناس عند ذلك حتى جاء أبو بكر رضي الله عنه فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : "أما بعد، فإن من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم قرأ : "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم" [ آل عمران144] . وقرأ: "إنك ميت وإنهم ميتون" [ الزمر 30 ] فاشتد بكاء الناس وعرفوا أنه قد مات، فغسل صلى الله عليه وسلم في ثيابه تكريماً له، ثم كفن وصلى الناس عليه أرسالاً (أي جماعات متتابعة)، ثم دفن ليلة الأربعاء صلوات الله وسلامه عليه.