"لقد حل الشهر الكريم في وقت اتسعت الجراح وزادت عمقا وألما، في حمص الوليد وغيرها من مدن وقرى سوريا الشام، وسالت الدماء في مصر الكنانة، وفلسطين الحبيبة، وبورما النازفة، وغيرها من الأماكن التي استهدف أمنها وأمانها، وروع أهلها وسكانها" .. كانت هذه إحدى فقرات بيان "الرائد", اتحاد المنظمات الاجتماعية في أوكرانيا إلى المسلمين.
تتحول المساجد والمراكز الاسلامية التابعة لاتحاد المنظمات الاجتماعية في أوكرانيا إلى ما يشبه خلية نحل تزدهر بالأنشطة والبرامج الدعوية والثقافية المختلفة مع بداية شهر رمضان المبارك، حيث تحظى بحضور جماهيري كبير, كما تعني هذه المراكز برفع المستوى الروحاني وسط أبناء الجالية المسلمة من خلال عيش أجواء رمضانية ذات صبغة روحانية، وتأتي على رأس هذه الأنشطة الصلوات والقيام.
كما أكد البيان على مسلمي أوكرانيا أن يكون رمضان شهر الوحدة حيث قال "إن رمضان حبلا يعصمنا ويربطنا بإخواننا، مستشعرين ألوان وشدة العذاب والمشقة التي يعانونها في جميع أوقاتهم", ويعيش في أوكرانيا 2 مليون مسلم تقريبا، يتمركزون في الشرق والجنوب، ويمثلون نحو 5% من تعداد سكان البلاد البالغ حوالي 46 مليون نسمة.
أما إقليم شبه جزيرة القرم في جنوب أوكرانيا فلهم مع شهر رمضان الكثير من الذكريات، منها ما يعود إلى قبل الاتحاد السوفياتي وخلاله وبعد الانفصال عنه, حيث قال خليل دندانوف, 84 عاما, "إن رجلا كان يتجول في الطرقات ضاربا على طبل لإيقاظ الناس وتناول السحور قبل موعد الفجر، وكانت ولا تزال وجبة السحور الرئيسية هي "فطائر باللحم أو الجبن", لأن الزراعة كانت ولا تزال المهنة الأولى، وبهذه الفطائر يستعين التتار على العمل الشاق في الحقول بعد الفجر".
كما يقول مفتي الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا "أمة"، الشيخ سعيد إسماعيلوف، إلى "أن النظام السوفياتي حرم المسلمين وغيرهم من ممارسة تعاليم دينهم، وعاقب على ذلك بالطرد من العمل أو حتى التعذيب, ومن تلك الصور التي يرويها إسماعيلوف أن قادة الجيش كانوا يجبرون الجنود المسلمين على أكل لحم الخنزير في رمضان، لضمان أنهم لم يصوموا، وأن ولاءهم إلى النظام لا إلى الدين".
كما يؤكد سيران عريفوف, رئيس الهيئة التشريعية في اتحاد المنظمات الاجتماعية "الرائد" "أن الصيام كان فعلا سريا يقتصر على الآباء، ولا يلقنونه للأبناء إلا تعريفا عاما خشية البطش، وكان جوابهم لأبنائهم عند الرغبة بالصوم: "الصوم لله، فإذا صمتم لا تخبروا أو تشعروا أحدا", يذكر أن سكان القرم يبلغ عددهم نحو خمسمائة ألف نسمة.
جدير بالإشارة أن أوكرانيا نالت استقلالها عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي, أما المسلمون فقد عاد الكثيرون منهم إلى موطنهم الأصلي وطالبوا باسترداد منازلهم وأراضيهم، لكنهم عانوا ظروفا معيشية قاسية وارتفعت نسبة البطالة بينهم، وفي النهاية تمركزوا في شبه جزيرة القرم, كما تهتم منظمة "معا والقانون" بتقديم مساعدات قانونية وغيرها في أوكرانيا إلى المسلمين, خاصة من اللاجئين الذين تعاظمت أعدادهم خلال الأعوام القليلة الماضية، ومعظمهم من سوريا والصومال.
من جانبها, قالت أولجا فرينداك, رئيسة المنظمة ورئيسة قسم العلاقات باتحاد المنظمات الاجتماعية "رائد", "إن "معا والقانون" باتت تخصصية بعدما سجلت كمنظمة حقوقية عامة قبل نحو عام، بهدف خدمة العرب والمسلمين قانونيا لحل مشاكلهم الخاصة", مضيفة "أن العرب والمسلمين كانوا يلجئون إلى مكاتب محاماة ومنظمات حقوقية لا تتمكن غالبا من المساعدة، لأنها لا تفرق غالبا بين فئات المجتمع وشرائحه وخصوصياته العرقية والدينية".
ومن القضايا التي تهتم بها المنظمة هي التصوير بالحجاب لمسلمات أوكرانيا، حيث قالت فرينداك إن مدنا كثيرة تعارض وضع صور المواطنات المسلمات على بطاقات الهوية وجوازات السفر، "ليس من باب العنصرية، بل من باب الجهل بهذه الخصوصية للمسلمين، وعدم المطالبة بحل هذه القضية على مستوى جميع المدن".
يبدو جليا أن المسلمون في أوكرانيا يحاولون في شهر رمضان الكريم أن يشاطروا إخوانهم المسلمين في كل مكان أحزانهم ومآسيهم ولا سيما بعد ما رزحوا فيه إبان الاتحاد السوفيتي, ويصبون جل اهتمامهم على اللاجئين والمحتاجين والمساكين.
المادة كما وردت على موقع "البشير" (هنا)