نجاح العمل الدعوي بالغرب يتوقف على فهم الواقع وتنويع المراجع
على الداعية الذي يعمل في الغرب تجنب التقوقع حول نفسه، والانطلاق خارج مسجده لمشاركة المجتمع الذي يعيش فيه في معالجة كافة مشاكله، ويعينه على ذلك فهمه لواقع البيئة التي يعمل فيها أولاً، كما وبلا شك تساهم نشأته الأولى وثقافته في دعم دوره الدعوي في مراحله عمره التالية... هكذا يرى الشيخ الدكتور عماد أبو الرب رئيس اللجنة الشرعية في أوكرانيا وإمام ومدير المركز الإسلامي (المسار) في مدينة أوديسا، دور الداعية في الغرب.
هل يمكن إلقاء الضوء على الأسباب التي دفعتك للحضور إلى أوكرانيا؟ وما انطباعاتك الأولى عن مسلمي أوكرانيا من جهة.. والشعب الأوكراني من غير المسلمين، من جهة أخرى؟.
أثناء عملي في أذربيجان دُعيت للعمل في أوكرانيا عام 1997م فاعتذرت لأني بدأت ببناء قيم تربوية ودينية في نفوس الناس في أذربيجان ووجدت - بفضل الله تعالى وتوفيقه - نتائج مميزة رغم أني كنت العربي الوحيد في مدينتهم وسعيت لتربية الشباب على الدين الحنيف بوسطيته واعتداله، ولاقيت ترحيباً من الجهات الرسمية والأهلية ومن ذوي الطلبة. وبعدها فُتحت في مدينة زكتالا التي كنت أعمل فيها جامعة إسلامية تركية والتحق بها طلبتي بل وتفوقوا فيها ثم وجّهت لي الدّعوة مرة أخرى لأعمل إمامًا للمركز الإسلامي في العاصمة الأوكرانية كييف والذي افتتح في شهر يوليو 2001م فوافقت وبدأت منذ سبتمبر 2001م العمل في أوكرانيا.
أعتبر أن من أبرز ما شجّعني على القبول بالانتقال إلى أوكرانيا ما تميّز به العمل فيها من نظام وترتيب ومؤسسية، وما سمعته عنها من حاجتها الماسّة للدّعاة وعدد سكانها الكبير الذي يصل لـ46 مليون نسمة، منهم مليونا مسلم أغلبهم من المسلمين التتار الذين تعرضوا من عشرات السنين لتهجير قسري وتنكيل وتجهيل بدينهم.
أما انطباعاتي فكانت إيجابية حيث رأيت رغم جهل الكثير من المسلمين بدينهم، إلا أن عندهم تعطّش للتعلّم والتعرّف عليه، إضافة لوجود المناخ والبيئة الملائمين للتوجيه والدّعوة، كون المجتمع حديث عهد بالاستقلال عن الدولة السوفيتية السابقة التي منعت ممارسة الشعائر الدينية للمسلمين والمسيحيين على حدٍّ سواء. كما أنّ الشعب الأوكراني شعب لطيف بعمومه ومضياف وليست عنده حساسية ظاهرة تجاه العرب والمسلمين سوى بعض الشباب الذي بدأ يقلّد دولا مجاورة في ثقافة العنصرية. ولا أعتبر أن هذه الفئات لها من يؤيدها من عامّة الشعب ومسئوليه والحمد لله.
وماذا عن عملكم الدعوي في أوكرانيا..كيف بدأت؟
من أهم عوامل نجاح الداعية فهمه لواقع البيئة التي يعمل فيها، وتعينه على ذلك نشأته وثقافته التي نشأ عليها، وكوني التحقت في الجامعة وكنت أطمح للعمل كداعية في بلاد غير المسلمين كان لي اهتمامات في التعرُّف على واقع الأقليات المسلمة في الغرب وأهم ما تعاني منه ومتابعة بعض التجارب الناجحة فيه. كما أن دراساتي ومطالعاتي أعانتني على فهم الأحكام الشرعية المعتبرة التي تخص الإقامة والتعامل مع غير المسلمين في بلادهم مما جعلني أحترم ثقافتهم ولا أعتدي على خصوصياتهم أو استفزّهم، وسعيت لإظهار أحكام الإسلام وآرائه من خلال سلوكي العملي المنضبط مما لاقى قبولاً وتجاوباً مع المسئولين الرسميين من جهة ووسائل الإعلام المختلفة والجاليات العربية والإسلامية إضافة لشرائح المجتمع المختلفة من كنائس ومستشرقين وأكاديميين وعامّة الشعب.
ما أبرز التحديات التي واجهتك؟
تجنّبت أن أستفزّ المجتمع أو أعاديه أو أتقوقع حول نفسي، وعملتُ منذ بداية قدومي للمجتمع الأوكراني على المساهمة في وقايته من ظواهر الإباحية والعنصرية وثقافة العداء، كما قدّمت جهوداً متعدّدة في معالجة مشاكل المجتمع المختلفة من تفكك الأسرة وارتفاع نسبة الطلاق وانتشار الإيدز والمخدرات وإدمان الكحول وغيرها من ظواهر باتت تقلق أصحاب القرار، وكان لي وللمؤسسة الدعوية التي أعمل بها - الرّائد - أدوار متعددة شملت التوعية والتثقيف والتنوير عبر مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.
هل يمكن إلقاء الضوء على واقع الأئمة في أوكرانيا خلال فترة تواجدكم؟ كيف هي أوضاع الأئمة ومدى تأهيلهم للخطابة والإمامة والدعوة؟.. كم يبلغ عددهم والجهات المسئولة عنهم.. وما خريطتهم العرقية ومدى انعكاسها سلباً أو إيجاباً على التواصل والتعاون فيما بينهم؟
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق عمل المسلمون على بناء وترميم المساجد من خلال الإدارات الدينية التي أنشئت، وكان من أبرزها الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا (أمّة)، واتحاد المنظمات الاجتماعية في أوكرانيا (الرّائد)، واللذان استطاعا أن يبنيا ويرمما الكثير من المساجد، تجاوزت المائة في أقل من عشرين سنة، ولم نغفل عن تأهيل أئمّة ليحيوها حيث تم ابتعاث العشرات للدراسة الشرعية، إضافةً إلى أننا نقيم لهم سنوياً عدة دورات شرعية وثقافية كان آخرها في شهر ديسمبر الماضي وبالتعاون مع مؤسسة "التجمّع الأوروبي للأئمّة والمرشدين"، حيث شارك بها حوالي 150إمام وداعية، علماً أننا نقيم مثل هذه الدورات سنوياً في جنوب أوكرانيا – شبه جزيرة القرم - بالتعاون مع المراجع الدينية لمسلمي تتار القرم.
أما بالنسبة لقوميات وأصول الأئمّة فهم متنوعون حسب المنطقة؛ ففي شبه جمهورية القرم أغلب الأئمّة من المسلمين التتار، أما في باقي المدن الأوكرانية فالأئمة من الطلبة العرب والمسلمين الذين قَدموا للدراسة الجامعية، وبعضهم من حفظة كتاب الله أو ممن درس بعض العلوم الشرعية قبل مجيئه، وهؤلاء أيضاً أقمنا لهم دورات شرعية وتأهيلية وأصبحوا الآن أئمّة ودعاة في المدن التي يقيمون فيها.
وبشكل عام أقول أن هناك عدّة جهات تسعى لمتابعة أحوال الأئمّة، أبرزها الإدارة الدينية لمسلمي القرم، وأغلبها يستعين بنا كوننا نجمع بين متخصصين شرعيين مؤهّلين شرعياً وعلمياً، إضافة لتواصلنا مع المؤسسات العلمية والدينية العربية وعلماء الأمّة مما يسهل التواصل ومواكبة المستجدات والمسائل الفقهية والشرعية المتنوّعة من قبل الهيئات والمجامع الفقهية.
وبحمد الله نعمل بجدّ على إحياء هذه المساجد ودورها في تربية وتوجيه المسلمين حيث أصبحت مساجد أوكرانيا بفضل الله تعالى منارة نور وهداية للناس وتقام فيها الصلوات الخمس وعدة برامج تعليمية كتعليم قراءة القرآن الكريم وتحفيظه وتعليم الأحكام الإسلامية بالإضافة إلى الأنشطة الاجتماعية والثقافية وغيرها.
هل يمكن ذكر الأدوار الدعوية التي قمتم بها خلال تجربتكم الدعوية أو فترة تواجدكم في أوكرانيا؟
أقوم بالعمل كإمام وخطيب المركز الإسلامي من عام 2001م -2010م ومدير للمركز الإسلامي في أوديسا منذ بداية 2011م حتى الآن. قمت خلالها بعمل برنامج للمسجد يشمل إقامة وإحياء الصلوات الخمس إضافة لحلقات التلاوة يومياً ودروس التجويد أسبوعياً، وبعض الدروس الشرعية وخاصة قراءة وشرح كتاب (رياض الصالحين) لما فيه من أحكام وآداب وتوجيهات، كما قمت والعاملين في المركز الإسلامي بعمل برامج متعددة كل عام ومميزة لشهر رمضان استطاعت بفضل الله تعالى أن تلامس أرواح وقلوب المصلين حتى أن البعض يشبهها بالحرمين لكثرة ما رفعت من الروحانيات وسمت بالأنفس. كما قمت بجمع أئمّة المساجد في مدينة أوديسا التي انتقلت للعمل بها قبل سنة واتفقنا على عمل مجلس تنسيقي بين الأئمّة يسعى لتوحيد المسلمين وتوعيتهم بدينهم وتعزيز دورهم في فهم مجتمعهم والمساهمة في نهضته وتطوّره، إضافة لتوحيد بداية شهر رمضان والعيد ونحن بصدد توحيد أوقات الصلاة إن شاء الله.
كما أنشط كعضو بالقسم الثقافي في اتحاد الرّائد من عام 2001م وحتى الآن. ويهدف القسم الثقافي في اتحاد الرّائد لتنمية حب الإسلام والاعتزاز به لدى المسلمين إضافة لتثقيفهم وتوعيتهم بأمور دينهم ووقايتهم من فكر الغلو والتشدد أو التنطّع والتحلل، ولذلك نقيم سنوياً عشرات الدورات والندوات في كافّة المدن الأوكرانية وأشارك بها وأشرف على بعضها خاصة ما كان منها في مجال تأهيل الأئمّة والدّعاة والخطباء.
بجانب ما سبق أقوم بتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها من عام 2001-2005، حيث شاركت منذ حضوري لأوكرانيا بتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها لعدة سنوات درّست فيها المئات منهم والتحق بعضهم في جامعات أوكرانية ووظائف مختلفة منهم على سبيل المثال من يعمل في قناة تلفازية أو صحيفة أسبوعية أو في سفارة عربية وغيرها من الوظائف المختلفة. وأعتبر تعليم اللغة العربية بوّابة التعريف بالثقافة العربية والإسلامية وإزالة الصورة المشوّهة عن الإسلام والمسلمين حيث تتيح لنا الفرصة الإجابة عن كثير من الشبهات التي يثيرها الإعلام وبعض المغرضين أو يرونها من تصرفات بعض المسلمين.
ومن ضمن المهام الذي أتحملها؛ الإشراف على اللجنة الشرعية في أوكرانيا؛ فلم يكن في أوكرانيا - عند حضوري - أئمّة متخصصون بالشريعة سوى أعداد لا تتجاوز أصابع اليد لذلك تعاظمت المسئولية وزاد العبء حيث كثرة أسئلة الناس واستفساراتهم وبدأت بالإجابة عليها إضافة لحل الخصومات والخلافات العائلية والتجارية، وأحياناً أستعين ببعض المشايخ وعلى رأسهم الدكتور حسين حلاوة الأمين العام للمجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء والدكتور عبد الفتاح إدريس - من علماء الأزهر - ، إلى أن تم تشكيل اللجنة الشرعية في أوكرانيا برعاية اتحاد الرّائد والإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا (أمّة) في عام 2008م وأصبح في عضويتها خمسة أفراد كلهم متخصصون في الشريعة الإسلامية ويتحدّثوا اللغة العربية بطلاقة وبدأت اللجنة تبحث فيما يعرض لها من أسئلة وأصدرنا عدّة فتاوى هامّة تخص المسلمين في أوكرانيا وواقعهم فيها، على أن نجيب على غيرها من الأسئلة المطروحة وتحتاج بحث واتفاق بين الأعضاء على الإجابة عليها.
كما تم اختياري عضو الأمانة العامّة للتجمّع الأوروبي للأئمّة والمرشدين، حيث افتتح التجمّع الأوروبي للأئمّة والمرشدين قبل أربعة سنوات وهو يعنى بالأئمّة والمرشدين والمرشدات من حيث التأهيل والتثقيف والتوعية وشاركت في العام الماضي باجتماع الهيئة العمومية فيه في باريس وانتُخبتُ ضمن عضوية الأمانة العامّة له. وقد بدأنا بوضع خطة استراتيجية له تنظّم الأعمال وتضع الأولويات وتوظّف الطاقات، وقمنا بعقد أول دورة تأهيلية وتثقيفية للأئمّة في أوكرانيا الشهر الماضي باسم التجمّع، ولاقت نجاحاً وحضوراً ومشاركة فاعلة من أكثر من مائة وخمسين إماماً وداعيةً جاءوا من كل المدن الأوكرانية التي يتواجد فيها المسلمون.
كما أسعى من خلال دوري كعضو في الأمانة العامّة على المشاركة في رسم دور للإمام والمرشد والمرشدة في الغرب ليقوموا بدورهم اللازم في مجتمعاتهم ضمن إطار احترام البلد الذي يعيشون فيه والالتزام بقوانينه وعدم استفزاز أهله والسعي لتنوير المسلمين فيه بدينهم بوسطيته وشموليته واعتداله وسماحته، إضافة لترسيخ ثقافة الاعتزاز بالإسلام لدى المسلمين وأبنائهم، وإقامة البرامج المشتركة بين المسلمين وباقي شرائح المجتمع والتي تسهم في تعايش الثقافات وتعاونها في المجالات المشتركة فيما بينها وأهمّها معالجة تفكك الأسرة ومواجهة التطرّف والعنصرية والمخدّرات والإباحية وغيرها من أمراض المجتمعات الغربية والتي تفتك بالجميع وتضر بأمن وسلامة هذه المجتمعات.
بم توصي الأئمة والدعاة المسلمين العاملين بالغرب؟
كلمتي الأخيرة لنفسي وإخواني الأئمّة والدّعاة أقول فيها، إن نجاح الدّاعية الحقيقي يوم أن ينال رضاء الله وتوفيقه في الدنيا والآخرة، والإخلاص أول الدرجات للوصول إلى ذلك، كما عليه أن يتعامل مع الأحداث بإيجابية ويبثّ الهمّة بين الناس ويكون لسان حاله سابقاً للسان مقاله وأن يتجرّد في ما يقوم به ويتعاون مع الآخرين فيألفهم ويألفونه، كما على الدّاعية ألا يتوان عن خدمة الناس في كل أحواله، وألا ينظر للناس على أنه من أهل الجنّة وأنّهم من أهل النّار، أو أنه أفهمهم أو أتقاهم أو أحرصهم، كما عليه أن ينزل الناس منازلهم من غير نفاق ويتصف بالحلم والصبر وسعة الأفق وسعة الصدر والصفح عن الناس وتجاوز العثرات، وأن يركّز في تعامله معهم على الصفات الإيجابية فيمن يتعامل معهم وأن يتدرّج بهم ويحسن إليهم وينصت ويستمع بشكل يتيح لهم التعبير له وعرض مسائلهم ومشاكلهم واحتياجاتهم، وباختصار أقول عليه أن يتبنّى قضايا الإسلام والمسلمين وكأنّه أكثر من سيسأل عنها ويحاسب عليها.
المادة كما وردت على موقع علامات أون لاين (هنا)
اقرؤوا أيضا...
|
2012.02.06 "رحمة للعالمين".. حملة للتعريف بالرسول الكريم في أوكرانيا |
|
2012.01.31 إقبال واسع على الإسلام من قبل الشباب في أوكرانيا |
|
2012.01.25 مدارس العربية ملاذ مسلمي أوكرانيا للحفاظ على الهوية |