أنت هنا
إضافة تعليق
بقلم د. إسماعيل القاضي - رئيس اتحاد الرائد
تناولت وسائل الإعلام منذ فترة وجيزة أصداء الإعلان عن "ميثاق المسلمين في أوربا" حيث احتفل مسلمو أوروبا بالتوقيع على ميثاقهم وذلك في عاصمة الوحدة الأوروبية بروكسيل، وتعتبر هذه الوثيقة الأهم من نوعها في سجل الوجود الإسلامي الحديث في القارة الأوروبية وبما أن اتحاد "الرائد" عضو في اتحاد المنظمات الإسلامية في أوربا فقد كان ضمن الموقعين على هذا الميثاق ومن هذا المنطلق وجدت أنه لابد من تعريف الجالية العربية بماهية الميثاق وفكرته وأهم محاوره و منطلقاته.
انطلقت فكرة وضع ميثاق للمسلمين في أوروبا في عام 2000، وذلك بمبادرة من اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، وكانت مهمة هذا الميثاق هي تحديد عدد من المنطلقات والمبادئ، وفق قواعد الفهم الإسلامي العام، وخصوصيات الواقع الأوروبي، ووضع أسس للتفاعل الإيجابي في المجتمع الأوربي.
يحتوي "ميثاق المسلمين في أوروبا" على 26 مادة وتتوزع مواد الميثاق على محورين أساسيين، أولهما يدور حول منطلقات الفهم الإسلامي، وثانيهما الوجود الإسلامي في المجتمع، ويتناول المحور الثاني هذا ثلاثة بنود هي:
أسس التعامل في الدائرة الإسلامية - مقتضيات المواطنة - ملامح الإسهام الإسلامي في أوروبا
وسأنقل لكم وبتصرف أهم ما يتعلق بالميثاق على أن نتابع في حلقات متسلسلة بنود الميثاق بشيء من التفصيل فكان من دواعي إصدار هذا الميثاق ما يلي:
الرصيد الحضاري الإسلامي الذي أسهم في إثراء الحضارة الأوروبية والحضور الإسلامي العريق الذي يمثله المسلمون بالأخص في شرق أوروبا، مع الاستقرار الذي يشهده المسلمون اليوم في العديد من دول أوروبا الغربية، إضافة إلى ضرورة ترسيخ قواعد المواطنة القائمة على المساواة والتكافؤ في الحقوق، والاعتراف بالمسلمين كفئة دينية أوروبية. وكذلك ضرورة التقارب بين المسلمين في أوروبا لمواكبة نمو وتقدم الوحدة الأوروبية، والحاجة الماسة إلى تدعيم قيم التفاهم وتعزيز السلم والرفاه الاجتماعي، وتوطيد الاعتدال والتواصل الحضاري بعيداً عن كل اتجاهات الغلو والتهميش، ناهيك عن الحضور العالمي للإسلام باعتباره أحد الأديان الكبرى، بما يملكه من رصيد روحي وحضاري وبشري هام، وما تستلزمه المصالح المشتركة من ضرورة التواصل والتقارب مع الغرب عموما، ومع أوروبا خصوصا، يقتضي توطيد سبل التعاون وإشاعة العدل والسلام العالمي.
ويقدم "ميثاق المسلمين في أوروبا" تصوراً متوازناً متعدد الأبعاد لعلاقات الوجود المسلم الأوروبي، فهو يتطرق إلى أربعة مستويات من العلاقات ذات الأثر في هوية مسلمي أوروبا، فهناك مستوى يتعلق بمسلمي أوروبا أنفسهم، وهو مستوى يتأسس على الاشتراك في الانتماء الديني والانتماء الأوروبي معاً، وهناك مستوى يتعلق بعلاقة "الانتماء" للأوطان الأوروبية، وفي الوقت ذاته؛ هناك محافظة على علاقة التواصل ضمن دائرة الانتماء المسلم في الفضاء العالمي، وهي علاقة محكومة بمنطق الأخوة، ويشير الميثاق إلى أنها تندرج في إطار الصلة الطبيعية بين المنتسبين للدين نفس، ثم إ ن هناك مستوى يتعّلق بالانتماء الإنساني الجامع، في عالم واحد ومتنوع ومما يلفت الانتباه أن الميثاق استفاض في تناوله لهذا المستوى، لأن آصرة الانتماء الإنساني تبقى القاسم المشترك في المستويات جميعاً، ولكونها تمثل أرضية للتعايش المتبادل وتنطوي بحد ذاتها على رؤية للواقع البشري في سياقات شتى.
إن "ميثاق المسلمين في أوروبا" يحمل دلالات عدة ذات أهمية، ومنها:
- أن المسلمين في أوروبا حريصون على الحضور الواثق بالذات في مجتمعاتهم الأوروبية، والتعبير عن منطلقاتهم الدينية وفهم لدورهم وتصوراتهم بشأن قضايا ومسائل عدة.
- أن المسلمين في أوروبا متمسكون بخيار المواطنة الصالحة والمشاركة الإيجابية الفاعلة في شتى مناحي الإسهام في الواقع الأوروبي الجديد الذي يشكلون جزءاً منه.
- أن المسلمين في أوروبا واعون بحقوقهم، ومدركون لالتزاماتهم، وأنهم يتطلعون إلى دور أكثر فاعلية لهم في أوروبا الموحدة وفي صناعة مستقبلها.
- أن المسلمين في أوروبا، على تنوعهم وتعدد مشاربهم؛ قادرون على جمع كلمتهم والتعبير عن أنفسهم بطريقة واعية ومؤثرة ومتفاعلة مع الواقع.
- أن المسلمين في أوروبا في تفاعلهم الإيجابي مع مجتمعاتهم الأوروبية وفي تعاطيهم الواعي والمسؤول مع شتى المسائل والتحديات من حولهم؛ فإنهم يستندون إلى منطلقات أساسية.
- أن المسلمين في أوروبا لم ينكفئوا على أنفسهم أو يلجؤوا إلى خيار التقوقع والعزلة رغم كل الأزمات والمتغيرات المتسارعة التي شهدها المناخ العام في أوروبا والعالم خلال السنوات الأخيرة، وبالأخص منذ خريف سنة 2001.
- أن المسلمين في أوروبا يريدون إيصال كلمتهم وصوتهم بأنفسهم أساساً، بدلاً من أن يتركوا غيرهم يتحدث عنهم وبخاصة من غير المنصفين أو حتى المتحاملين على مسلمي أوروبا وعلى الدين الإسلامي الحنيف والثقافة الإسلامية.
هذا وقد نال هذا الحدث اهتماما واسعا على كافة الأصعدة:
اهتمام إسلامي
مما لفت الاهتمام حرص ممثلين عن مؤسسات إسلامية من عموم القارة الأوروبية وأقاصيها، على حضور فعالية التوقيع على "ميثاق المسلمين في أوروبا". فقد شارك في الاحتفالية ممثلو مؤسسات من أيرلندا وأسبانيا إلى روسيا وبولندا، ومن السويد والدانمرك وأوكرانيا إلى اليونان وإيطاليا.
اهتمام رسمي
شارك ممثلون عن المستوى الرسمي الأوروبي في احتفالية توقيع "ميثاق المسلمين في أوروبا"، وبخاصة مشاركة مندوب عن المفوضية الأوروبية في هذا الحدث السيد ماريو مورو نائب رئيس البرلمان الأوروبي. . كما حضر ممثلون عن كتل برلمانية أوروبية.
اهتمام إعلامي
حظي صدور "ميثاق المسلمين في أوروبا" باهتمام منقطع النظير، فقد أبرزت مئات الوسائل الإعلامية هذا الحدث في صدارة نشراتها وعناوينها، وذلك بشتى اللغات الأوروبية. وقد أصبح صدور الميثاق في عاصمة الوحدة الأوروبية حدث الساعة بالنسبة لأوساط إعلامية عدة، بما فيها، مثلاً، محطة التلفزة الأوروبية الكبرى "يورو نيوز"التي خصصت تقريراً عن هذا الحدث الهام تم بثه في شتى اللغات التي (EURONEWS) تبث بها تلك المحطة.
اهتمام ديني
شارك ممثلون عن طوائف دينية أوروبية في فعالية التوقيع على "ميثاق المسلمين في أوروبا"، معربين في ذلك عن حرص على التعايش الإيجابي مع المسلمين في القارة الأوربية.
اهتمام مجتمعي
حضر احتفالية التوقيع على "ميثاق المسلمين في أوروبا" ممثلون عن المجتمع المدني في أوروبا، وأدلى عدد منهم بتصريحات إيجابية لوسائل الإعلامية بشأن انطباعاتهم نحو خطوة مسلمي أوروبا هذه ودلالاتها.
إن مهمّة هذا الميثاق هي تحديد عدد من المنطلقات والمبادئ، التي تُلخّص قواعد الفهم الإسلامي العام، وتضع أسسا للتفاعل مع المجتمع في ضوء الخلفية الإسلامية، بما يمثّل مرجعية شرعية وفكرية للمسلمين في أوروبا، ويحقق وضوحا في فهم طبيعة الوجود الإسلامي لدى المجتمعات الأوروبية.
محاور الميثاق
منطلقات الفهم الإسلامي
1 ـ تستند منطلقات الفهم إلى أسس منهجية تعود إلى مصادر الإسلام الأصلية: القرآن الكريم والسنة النبوية، في إطار ما أجمعت عليه الأمة ، مع مراعاة روح العصر، واعتبار الواقع الأوروبي وخصوصياته.
2 ـ إن الفهم الذي يعبر عن روح الإسلام، هو الفهم الذي يقوم على مبدأ الوسطية الذي يستصحب المقاصد العامة لهذا الدين، وسطية تنأى عن الإفراط والتفريط، وتؤلف بين هداية الوحي ونور العقل، وتراعي العدل في التوازن بين مطالب المادة ومطالب الروح عند الإنسان.
3 ـ إن الإسلام بمبادئه وأحكامه وقيمه يشمل مجالات ثلاثة، وهي: أولا: الاعتقاد بأركانه الستة متمثلة في الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، وثانيا: الشريعة من عبادات ، ومعاملات بأحكامها الشاملة لميادين الحياة المختلفة، وثالثا: نظام الأخلاق الذي يعطي معالم السير على طريق الخير، وهذه المجالات الثلاثة تهدف إلى جلب المصالح ودرء المفاسد لفائدة الإنسان، فردا وجماعة.
4 ـ إن من الخصائص العامة للإسلام، اعتباره للبُعد الإنساني العام، واتصافه بالمرونة في نظامه التشريعي، واحترامه للتنوع والاختلاف الطبيعي بين الناس.
5 ـ إن الإسلام قد كرّم الإنسان واعتبره خليفة في الأرض، وإن هذا التكريم الإنساني الذي يشمل جميع بني آدم رجالا ونساء، هو من أهم القِيَمِ التي يجب مراعاتها في وضع الأنظمة والخطط والسياسات في مختلف مجالات الحياة.
6 ـ إن الإسلام أوْلَى للبعد الاجتماعي اهتماما خاصا، ودعا إلى الرحمة والتعاون والتكافل والأخوة. وإن هذه القيم مما يتأكد في حق الوالدين والأقارب والجيران، وكذلك في حقّ الفقراء والمحتاجين والمرضى والمسنّين، من جميع بني البشر بقطع النظر عن المعتقد والأصل.
7 ـ إن الإسلام ينادي بالمساواة الإنسانية بين الرجل والمرأة في إطار من الاحترام المتبادل، ويرى أن الحياة الإنسانية المتوازنة، هي التي تقوم على أساس التكامل والانسجام بين الرجل والمرأة ، وينبذ كل تصرّف ينتقص من المرأة أو يهضم حقوقها المشروعة، وإن كان له شواهد في بعض عادات المسلمين وتقاليدهم الخاطئة. ولا يقرّ الإسلام استغلال المرأة أو التعامل معها من منطلق أنها مجرد جسد أو متاع للذة.
8 ـ يعتبر الإسلام أن الأسرة المتماسكة القائمة على آصرة الزواج بين الرجل والمرأة، هي المحضن الطبيعي الضروري لتنشئة الأجيال، وهي الأساس في سعادة الفرد واستقرار المجتمع. ومن هنا فإن الإسلام يؤكد على اتخاذ جميع التدابير والوسائل لتدعيم كيانها وحماية بنائها من كل الأسباب المؤدية إلى ضعفها أو تهميش دورها.
9 ـ إن الإسلام يحترم حقوق الإنسان وينادي بالمساواة بين البشر ، وينبذ كل أشكال الميز العنصري ، ويُعْلي من شأن الحرية ، كما يرفض الإكراه في الدين ويترك للإنسان حق الاختيار في اعتقاد ما يريد، وهو إلى جانب ذلك ينظر إلى الحرية نظرة متوازنة، فكل حرية ينبغي أن تحكمها قيم أخلاقية وضوابط قانونية، حتى لا تتحول إلى اعتداء على الذات أو على الغير.
10 ـ إن الإسلام يدعو إلى التعارف بين الناس، وإلى الحوار والتواصل والتعاون بين الأمم والشعوب، من أجل تحقيق التعايش وضمان السلام العالمي. وإن مصطلح الجهاد الذي ورد في النصوص الإسلامية يعني بذل الجهد في طريق الخير انطلاقا من إصلاح النفس، إلى إشاعة الحق والعدل بين البشر، وإن الجهاد بمفهوم القتال يُعدّ من الإجراءات التي قد تلجأ إليها الدولة المسلمة في حالة الدفاع المشروع لرد الاعتداء. وإن ما يقرره الإسلام في هذا المجال لا يتعارض مع ما تُقرّه القوانين والمواثيق الدولية السائدة في العالم.
ومن هذا المنطلق فإن المنهج الإسلامي يرفض العنف والإرهاب، ويناصر القضايا العادلة، ويدعو إلى تمكين الناس من الدفاع عن حقوقهم بالأساليب المشروعة، بعيدا عن الانحياز والظلم.
11 ـ إن الإسلام يدعو المسلم إلى الأمانة وإلى الوفاء بالعهود ويحرم عليه الخيانة والغدر، ويأمره بالإحسان في التعامل مع الناس، بل مع سائر الكائنات في هذا الكون.
12 ـ إن المنهج الإسلامي، انطلاقا من قيمة الشورى واعتبارا لما توصلت إليه التجربة الإنسانية من رصيد من الخبرة في أصول مجال العمل السياسي في المجتمعات، يقرّ أسس النظام الديمقراطي القائم على حرية اختيار السلطات السياسية، واحترام مبدأ التعددية والتداول السلمي على السلطة.
13 ـ إن الإسلام يدعو الإنسان لاستثمار الكون الذي سُخّر لمصلحته، استثمارا يُراعي فيه المحافظة على البيئة وضرورة حمايتها من أسباب التلوّث والاندثار، ومن كل ما يؤدي إلى اختلال التوازن الطبيعي،كما يدعو إلى العناية بمكوّناتها الطبيعية، ويحثّ على الرفق بالحيوان.
الوجود الإسلامي في المجتمع
1 ـ إن المسلمين في أوروبا على اختلاف أصولهم العرقية والثقافية وعلى تنوع انتماءاتهم المذهبية والفقهية يشكّلون، في إطار أصول الإسلام الثابتة، طائفة دينية واحدة تجمعها الأخوة الإسلامية، كما يربط بينهم في كل بلد أوروبي، انتماؤهم إلى كيان وطني واحد. وكل تفرقة بينهم تعتبر منافية لروح الإسلام الداعي إلى الوحدة الجامعة.
2 ـ إن المسلمين في أوروبا، انطلاقا من مبادئ دينهم ومن مقتضيات مصالحهم المشتركة مدعوون للعمل على الالتقاء والتعاون فيما بينهم، وتنسيق الجهود بين مؤسساتهم وهيئاتهم ، دون أن يمنع ذلك من وجود تنوّع بينهم، وذلك فيما تتسع له دائرة الإسلام العامة وفي إطار عقائده وأحكامه الثابتة.
3 ـ إن المسلمين في أوروبا، مع انتمائهم لأوطانهم الأوروبية، يشعرون في ذات الوقت بانتمائهم إلى الأمة الإسلامية، وإن صلة المسلمين في أوروبا مع إخوانهم في العالم، هي من قبيل الصلة الدينية التي تشمل جميع الطوائف الدينية فيما يشعر به أبناء كل طائفة من علاقة بين المنتسبين لدينهم. وإن هذه الصلة ينبغي توجيهها بما يساعد على توطيد التواصل بين أوروبا والعالم الإسلامي ويدعم مسيرة التعاون المثمر بين شعوب العالم ودوله.
مقتضيات المواطنة
1 ـ إن المسلمين في أوروبا يحترمون القوانين والسلطات القائمة عليها، ولا يمنعهم ذلك، ضمن ما هو مكفول لجميع المواطنين، من الدفاع عن حقوقهم والتعبير عن آرائهم ومواقفهم أفرادا ومجموعات فيما هو عائد إلى شؤونهم الخاصة أو متعلق بالشأن العام.
2 ـ إن مبدأ العلمانية القائم على حياد الدولة فيما يتصل بالشأن الديني، يقتضي التعامل العادل مع الأديان وتمكين معتنقيها من التعبير عن معتقداتهم بشكل فردي وجماعي في المجال الخاص والعام وفقا لما هو منصوص عليه في مواثيق حقوق الإنسان والأعراف الدولية. ومن هذا المنطلق فإن من حق المسلمين في أوروبا كطائفة دينية أن يقيموا مساجدهم ومؤسساتهم الدينية والتربوية والاجتماعية الخاصة ، وأن يمارسوا شعائرهم وعباداتهم ، وأن يطبقوا مقتضيات دينهم في أمورهم الحياتية مما هو متعلق بخصوصيات الطعام واللباس وغير ذلك .
3 ـ إن المسلمين في أوروبا كونهم مسلمين ومواطنين في آن واحد، يؤمنون أن من واجبهم أن يعملوا من أجل الصالح العام وأن يكون اهتمامهم بأداء واجباتهم كاهتمامهم بالمطالبة بحقوقهم. وإن من مقتضيات الفهم الإسلامي السليم، أن يكون المواطن المسلم فاعلا في الحياة الإجتماعية، منتجا ومبادرا وساعيا لنفع غيره .
4 ـ إن المسلمين مدعوون إلى الاندماج الإيجابي في مجتمعاتهم، اندماجا يقوم على التوازن بين الحفاظ على هويتهم الدينية وبين مقتضيات المواطنة .
5 ـ إن من أهم مقتضيات المواطنة الصالحة، المساهمة السياسية بدء من الإدلاء بالتصويت في الانتخابات إلى الالتحاق بالأحزاب، ولذا فإن المسلمين في أوروبا يؤمنون بضرورة الانخراط في الشأن السياسي العام من منطلق المواطنة الفاعلة. وإن مما يشجع على ذلك انفتاح الهيئات السياسية على جميع أفراد المجتمع وفئاته، انفتاحا يستوعب جميع الطاقات والأفكار .
6 ـ إن المسلمين في أوروبا، وهم يدركون بأنهم يعيشون في مجتمعات متعددة المذاهب الدينية والفلسفية، يؤكدون على احترامهم لهذه التعددية، خاصة وأن الإسلام يقرّ مبدأ التنوع والاختلاف بين الناس ولا يضيق به.
هذه المنطلقات صاغت الفكرة الإسلامية الصحيحة آخذة بعين الاعتبار البعد الشمولي للإسلام الحنيف مراعية الواقع الأوربي ومبتعدة عن نقاط الخلاف التي اعتدنا عليها في الشرق الإسلامي وبنفس الوقت تحث المواطن المسلم الى الإسهام في الحياة الاجتماعية والمدنية في كافة الأصعدة والمجالات.
خطوات عملية للانتقال من النظرية إلى التطبيق
إن كثيرا من الناس مسلمون بالاسم أو بالهوية وللأسف الشديد مع سرعة المتغيرات في العالم الكثير منا لا يدرك معنى الإسلام الحقيقي الذي هو محور الحياة وفيه النجاة لبني الإنسان، هذا من جهة ومن جهة أخرى نحن المسلمون وللأسف أيضا أكثرنا لا يدرك مستلزمات ومتطلبات الانتماء لهذا الدين الحنيف!!! لذلك تجد أكثر المسلمين في واد والإسلام في واد!!!
إن في الميثاق تبيان لكل ما يجب أن يكون عليه المسلم المعاصر المرتبط بالاصل وفي نفس الوقت هو على اتصال بالعصر فيكون بذلك فاهما للإسلام فهما صحيحا وحقيقيا وبالتالي يكون المسلم حقا (هو اجتباكم، وما جعل عليكم في الدين من حرج، ملة أبيكم إبراهيم، هو سماكم المسلمين من قبل)، وفي هذا (ليكون الرسول عليكم شهيدا، وتكونوا شهداء على الناس، فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم المصير).
كل منا عاش في بيئة وترعرع فيها ومن ثم جاء إلى هذه البلاد ليكمل الدراسة أو بغرض التجارة أو السياحة أو الخ...
فيا ترى كيف لنا أن نعرض الإسلام على من حولنا ؟! وبأي صورة؟ وما هو السبيل لاجتماعنا وتوحد كلمتنا؟
ونحن معتقدون أن الإسلام هو دين الوحدة والتوحد والتعاون والسماحة، دين يصلح لكل زمان ومكان، دين لا يقتصر على قوم دون قوم، وهو للعالمين رحمة وللناس كافة على اختلاف ألوانهم وأعراقهم ولغاتهم ...
ولا يخفى على المثقف المسلم تشعب الآراء والاتجاهات في عالمنا العربي والإسلامي ففي مكان ترى الإسلام يصطبغ بصبغة صوفية وفي آخر بصبغة سلفية وفي مكان آخر مذهبية وفي مكان آخر غير ذلك ... فيا ترى هل من الحكمة أن انقل تلك الاتجاهات إلى واقعنا الذي نعيشه؟؟ طبعا مع احترامنا وتقديرنا إلى كل المدارس الفقيهة والآراء الاجتهادية المنتشرة في عالمنا العربي والإسلامي.
ونحن التقينا في هذه البلاد من مناطق شتى ومن أماكن متعددة ومن مدارس فقهية مختلفة و كل منا على ثغرة والكل يسعى بما يملك من جهد وطاقة لتعريف الآخر بالإسلام العظيم وللحافظ على نفسه من الانزلاق في الشهوات والمحرمات...
كل هذه التساؤلات والقضايا تحتم على المسلم العاقل الذي يعيش في أوروبا أن يبحث عن القواسم المشتركة مع من حوله لينهض بنفسه وليعرف غير المسلم بسماحة الإسلام وعظمته...
من هنا كان من الواجب على كل واحد منا أن يفرق بين الإسلام والمسلمين وأن يسعى جاهدا إلى التثقيف الذاتي والى النهل من الإسلام العظيم دون إفراط أو تفريط لبسط رؤية مجتمعة في ضوء الالتزام بثوابت الشرع ورعاية متغيرات العصر وتأكيد المرجعية التي تعزز وحدة الصف وتقارب الخطى وتجسد أدب الخلاف وتعمل على توسيع دائرة المشترك الحضاري وتعين على قيام شراكة إنسانية صحيحة وعادلة تفي بمتطلبات التفاعل الايجابي مع مراعاة الحفاظ على الهوية.
أخي الكريم كل هذا يستدعي منا جميعا مراعاة الواقع الذي نعيشه أخذين بعين الاعتبار تنوع الشرائح المختلفة في المجتمع الأوربي وما أجملها من كلمات سطرها العلامة الفقيه الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله عندما نادى أبناء الأمة إلى الفهم الشمولي التكاملي للإسلام بوصفه شرعية وعقيدة، علما وعملا عبادة ومعاملة ثقافة وأخلاقا حقا وقوة دينا ودنيا حضارة وأمة والى الإيمان بمرجعية القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة للتشريع والتوجيه و ترسيخ المعاني والقيم الربانية، ويستدعي كذلك من كل واحد منا فهم التكاليف والأعمال فهما متوازنا يضعها في مراتبها الشرعية وينزل كل تكليف منزلته، مع التركيز على القيم الأخلاقية التي عني بها الإسلام والموازنة بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر إضافة إلى:
1- تبني منهج التيسير والتخفيف في الفقه والفتوى.
2- التدرج الحكيم في الدعوة والتعليم والإفتاء والتغيير.
3- تأكيد الدعوة إلى المزج بين الروحانية والمادية، بين الربانية والإنسانية، بين العقل والوجدان
4- احترام العقل والتفكير، والدعوة إلى النظر والتدبر في آيات الله الكونية و العمل على تكوين العقلية العلمية ومقاومة الجمود.
5- الدعوة إلى المبادئ والقيم الإنسانية والاجتماعية، مثل العدل والشورى والحرية والكرامة وحقوق الإنسان.
6- الإيمان بوجود الأمة الإسلامية وخلودها والإيمان بفرضية وحدتها وبالأخوة الدينية بين أبنائها على اختلاف مدارسهم ومذاهبهم.
7- الإيمان بالتعددية الدينية والعرقية واللغوية والثقافية والسياسية، وضرورة التعايش بين الحضارات والتلاقح بين الثقافات.
8- حث دعاة الإصلاح والتغيير على مقاومة التخلف والفساد والعمل على تجميع كل القوى العاملة لنصرة الإسلام في صف واحد، والاختلاف والتعدد بين العاملين لا يضر إذا كان اختلاف تنوع وتخصص لا اختلاف صراع وتناقض و الإشادة بما قدمته أمتنا من منجزات تاريخية بهرت العالم وعدم الاكتفاء بالتغني بأمجاده، بل واجبنا استلهام الماضي والارتقاء بالحاضر واستشراف المستقبل.
9- الانتفاع بأفضل ما في تراثنا الرحب المتنوع من ضبط الفقهاء وتأصيل الأصوليين وحفظ المحدثين وعقلانية المتكلمين وروحانية المتصوفين ورواية المؤرخين ورقة الأدباء والشعراء وتأمل الحكماء وتجارب العلماء، مع العلم بأن هذا التراث كله غير معصوم، فهو قابل للنقد والمراجعة والمناقشة والترجيح أو التضعيف، ولكن الأمة في مجموعها لا تجتمع على ضلالة.
أحدث التعليقات