أنت هنا
إضافة تعليق
شبه جزيرة القرم واحدة من أجمل بقاع العالم؛ وهي جمهورية ذات حكم ذاتي ضمن جمهورية أوكرانيا؛ حيث تقع جنوب البلاد ويحيط بها البحر الأسود من الجنوب والغرب، بينما يحدها من الشرق بحر أزوف، ومساحتها 2700 كيلومتر مربع، وسكانها 2,5 مليون نسمة، ويشكل الروس حوالي 50 % منهم، والأوكران 30 %، والباقي من التتار المسلمين. وأهم مدنها هي العاصمة سيمفروبل، وكان اسمها فيما مضى "اق مسجد" أي المسجد الأبيض قبل أن يستولي عليها الروس.
وكانت عاصمتها فيما مضى مدينة "بَخْشِسَراي" عندما كانت خاضعة لحكم خانات التتار، ومن مدنها المهمة أيضًا "يالطا" المدينة الساحلية السياحية الجميلة، والتي عقد فيها مؤتمر يالطا بين قادة الحلفاء في الحرب العالمية الثانية في فبراير عام 1945م ستالين وروزفلت وتشرشل، ومدينة سيفستوبل الميناء الذي كان يأوي أسطول الاتحاد السوفييتي الضخم، والذي أصبح محل نزاع بين روسيا وأوكرانيا، ومدن أخرى أقل أهمية، مثل: كيرشوفيادوسيا وبيلاغورسك وسوداك وجانكوك.
وكلمة القرم تعني القلعة باللغة التتارية؛ وتتمتع القرم بموقع استراتيجي هام وفيها الثروات الطبيعية، مثل: البترول، والفحم الحجري، والغاز الطبيعي، والنحاس، والحديد، والمنغنيز، والرصاص، والثروة الزراعية مثل: القمح، والفواكه، والمياه المعدنية ذات الخاصية العلاجية التي جعلت منها واحدة من أفضل المشافي في العالم. وأقام التتار المسلمون في شبه جزيرة القرم منذ زمن بعيد، وهم قوم اكتسحوا أجزاء واسعة من آسيا وأوروبا بقيادة المغول في القرن الثالث عشر الميلادي، ولقد أسس باطوخان حفيد زعيم المغول الكبير جنكيز خان القبيلة الذهبية التي أنشأت إمارة القبشاق إحدى ممالك المغول الكبرى، والتي سيطرت على أجزاء واسعة من روسيا وسيبيريا، واتخذت من مدينة سراي في الفولغا عاصمة لها، وأجبرت دوقية موسكو على دفع الجزية، وامتدت سيطرة التتار إلى شبه جزيرة القرم، حيث استوطنتها العديد من العائلات التتارية، والتي اتخذت من الإسلام دينًا لها عام 1314هـ. وخضعت أجزاء من إمارة التتار للأتراك العثمانيين؛ بينما استولى القيصر الروسي إيفان الرابع على أجزاء أخرى، وتحولت الإمارة الكبرى إلى ثلاث إدارات هي استراخان وقازان والقرم .
وتولى الحكم في إمارة القرم الحاج دولت خيري أو كيراي في عام 1428م، وعندما توفِّيَ خلَّفه ابنه الثاني في الحكم بمساعدة البولنديين، إلا أن الأخ السادس منجلي قتل أخاه واستولى على حكم الإمارة بمساعدة الجنيزوف، حيث حكم في الفترة 1466/1515م وخضعت الإمارة لحكم العثمانيين في عام 1521م.
وحاصر محمد خيري موسكو، وأجبر حاكمها واسيلي على دفع الجزية، وتولى دولت خيري فتح موسكو عام 1571م، إلا أنه سرعان ما قلب الزمن ظهر المجن لإمارة القرم فقام بطرس الأول عام 1678م بمحاصرة القرم التي أسقطت في عهد الإمبراطورة انا أوانوفنا عام 1736م، واحتلت الجيوش الروسية عاصمة القرم بخشسراي، وأحرقت الوثائق التي كانت تعد ذخيرة علمية لا تقدر بثمن، وكانت بمثابة رمز تاريخي للشعب التتري. ولقد مارست الجيوش الروسية المذابح ضد السكان الآمنين إلى درجة أن الجثث لم تجد من يدفنها، وانتشرت الأوبئة التي أودت بحياة القتلة الروس أنفسهم إلا أن أبشع المذابح وقعت عام 1771م، عندما طبقت الجيوش الروسية المعتدية شعار من غير انتظار ولا عودة يجب محو التتار من هذه الأرض، وقتل في تلك المذابح أكثر من 350 ألف تتري. ومارست روسيا القيصرية شتى ألوان القهر والتعذيب ضد شعب التتار، وصادرت أراضيهم ومنحتها لمواطنيها، وصادرت مساجدهم ومدارسهم، واضطر نحو مليون وعشرين ألفا منهم للفرار إلى تركيا، وقامت روسيا بتهجير الباقي إلى داخل المناطق الخاضعة لها؛ وذلك تطبيقا لاقتراح الأمير الروسي منشكوف، وعندما فشل الروس في زراعة أراضي القرم التي صادروها من أهلها التتار؛ وذلك لعدم خبرتهم بها أجَّروها مرة أخرى لهم لكي يزرعوها لهم. وفي ديسمبر 1917م وإثر الثورة الشيوعية في موسكو أعلن تتار القرم عن قيام جمهوريتهم المستقلة برئاسة نعمان حيجي خان، إلا أن الشيوعيين سرعان ما أسقطوا الحكومة، وأعدموا رئيس الجمهورية وألقوا بجثته في البحر.
وفي عام 1920م أعلنت حكومة الاتحاد السوفييتي عن قيام جمهورية القرم ذات الاستقلال الذاتي، وعندما أراد ستالين إنشاء كيان يهودي في القرم عام 1928م، ثار عليه التتار بقيادة أئمة المساجد والمثقفين فأعدم 3500 منهم، وجميع أعضاء الحكومة المحلية بمن فيهم رئيس الجمهورية ولي إبراهيم، وقام عام 1929م بنفي أكثر من 40 ألف تتري إلى منطقة سفر دلوفسك في سيبيريا، كما أودت مجاعة أصابت القرم عام 1931م بحوالي 60 ألف شخص. وهبط عدد التتار من تسعة ملايين نسمة تقريبا عام 1883م إلى نحو 850 ألف نسمة عام 1941م؛ وذلك بسبب سياسات التهجير والقتل والطرد التي اتبعتها الحكومات الروسية سواءً على عهود القياصرة أو خلفائهم البلاشفة، وتكفل ستالين بتجنيد حوالي 60 ألف تتري في ذلك العام لمحاربة النازيين، بينما هجَّر النازيون عند استيلائهم على القرم حوالي 85 ألف تتري إلى معسكرات حول برلين؛ وذلك للاستفادة منهم في أعمال السُخرة. واتهم ستالين التتار بالتعاون مع النازيين الألمان فقام في مايو 1944م بتهجير أكثر من 400 ألف تتري في قاطرات نقل المواشي إلى أنحاء متفرقة من الاتحاد السوفييتي خاصة سيبيريا وأوزبكستان. ولقد قام الجنود الروس بحرق ما وجدوه من مصاحف وكتب إسلامية، وأعدموا أئمة المساجد، وتم تحويل المساجد إلى دور سينما ومخازن. وأصدر مجلس السوفييت الأعلى قرارًا في 20 يونيو 1946م بإلغاء جمهورية القرم ذات الاستقلال الذاتي، وذلك كما ورد في القرار لخيانة شعب القرم للدولة اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، وفي عام 1967م ألغى مجلس السوفييت الأعلى قراره السابق باتهام شعب القرم بالخيانة، إلا أنه مع ذلك لم يسمح لهم بالعودة إلى وطنهم. وعندما أعلن غورباتشوف آخر زعيم للاتحاد السوفييتي برنامجه الإصلاحي عام 1985م تحت شعار إعادة البناء "بريسترويكا" بدأ التتار في العودة إلى بلادهم، ولكن بلا أية حقوق، وعندما نالت أوكرانيا استقلالها عن الاتحاد السوفييتي عام 1991م عقد التتار مؤتمرهم الأول في 26 يونيو 1991م في مدينة سيمفروبل؛ حيث تم فيه تأسيس المجلس الأعلى لتتار القرم كممثل للشعب التتري، وانتخب "مصطفى جميلوف" رئيسًا للمجلس.
ولقد بدأ المسلمون نضالهم من أجل الحصول على حقوقهم تحت شعار لقد عادت إلينا شخصيتنا الإسلامية التي لا يمكن أن نفرط فيها، إننا مسلمون وسنبقى مسلمين، وسنعمل جاهدين على تعلُّم ديننا. ويقدر عدد التتار في شبه جزيرة القرم حاليًا بحوالي 400 ألف نسمة، ويعيش أكثرهم في ظروف بالغة الصعوبة والقسوة بلا خدمات ولا إعلام ولا تعليم؛ لأن بعضهم لا يحمل الجنسية الأوكرانية؛ ومئات الألوف منهم لا تزال تعيش في المهجر حالمة بالعودة إلى الوطن الأم، ومن المشاكل الكبيرة التي يواجهونها مشكلة البطالة التي تصل إلى 49 %، وهم ينظرون إلى إخوانهم المسلمين في العالم نظرة أمل وتفاؤل، ويأملون في إقامة مشاريع على أرضهم، مثل تشغيل المشافي والمصحات، والاستثمار في المجالات الزراعية والصناعية وغيرها
تاريخ روسيا السياسية ومعاناة المسلمين في ظل توسعها قديما وحديثا
ألقى هيوغ واتسون في كتابه "الاستعمار الجديد" الضوء على تاريخ روسيا السياسية وكيفية توسع إمارة موسكو لتصبح خلال ثلاثة قرون وربع قرن إمبراطورية كبيرة تضم شعوبا وأقواما من غير الروس وأراض غير الأراضي الروسية وفي البداية يشير واتسون الى طوبوغرافية روسيا قائلا بأن أرضها تتكون من غابات وسهول تقطعها أنهار عديدة من بينها نهري دنيبر وفولغا. كما ويشير الى ظهور إمارات ودويلات عديدة في تلك المناطق خلال القرون الماضية. وقد ظهرت أول دولة في تلك المناطق على ضفاف نهر دنيبر في أواخر القرن الثامن الميلادي وكانت عاصمتها "كييف". واعتنق أمراء هذه الدولة المذهب الأرثودكسي عام988 للميلاد. وأشار العديد من المهتمين بالشؤون الروسية الى أن روسيا كانت عبارة عن إمارة موسكو وكانت وثنية فاعتنقت المسيحية نتيجة زحف اليهود الى الامارة قادمين من سواحل بحر قزوين الغربية ، وكذلك خوف أمرائها من سيطرة اليهود عليها بعد أن تورط أطبائهم في قتل أحد القياصرة بالسم تحركت إمارة موسكو بإتجاه مناطق الغابات حيث فر قسم من أهلها أمامهم في حين قبل القسم الآخر بسيطرة الروس عليهم وإتخاذ اللغة الروسية لغة لهم. خلال الاعوام من1226 الى1230 الميلادية تمكن الأمير باطو إبن جنكيزخان من تحطيم دولة كييف وإخضاع أمراء الروس لسلطته حيث بنى بالقرب منهم دولة جديدة كانت عاصمتها على نهر فولغا وإسمها ساراي أمراء دولة ساراي كانوا من المغول وشعبه كان من التتار وكانت لغتهم التركية ، واعتنقوا الاسلام في القرن الرابع عشر للميلاد. وأستطاعت فيما بعد إحدى الامارات الروسية وبمساعدة الكنيسة الأرثودكسية الانفصال من دولة التتار منشأة لنفسها قوة عسكرية وإدارة ذاتية. وفي جانب التتار تمزقت دولتهم نتيجة صراعات داخلية بين أمرائها فأصبحت ثلاث كيانات ضعيفة وهي:
أولا: إمارة خان قازان في المناطق الواقعة في أواسط نهر فولغا
ثانيا: إمارة إستراخان القريبة من مصب نهر فولغا عند بحر قزوين
ثالثا: إمارة القرم في شبه جزيرة القرم
هذا التمزق والتشتت دفع بالروس الى تجميع قواهم والتهيؤ للزحف على التتار ، فاستطاع القيصر إيفان الرابع الملقب بالرهيب من إحتلال إمارة قازان عام1552 الميلادي ، وإمارة إستراخان عام1556 الميلادي وبما أن الدولة العثمانية كانت على صراع مع الامبراطورية الروسية القيصرية فكانت تساعد الامارات التتارية لتقف جدارا بوجه الزحف الروسي بإتجاه قلب الامبراطورية في أستامبول مما دفع بالروس الى تكثيف هجماتهم العسكرية على مناطق نهر فولغا من أجل الوصول الى سواحل بحر قزوين ، وكذلك الهجمات على شبه جزيرة القرم بهدف الوصول الى سواحل البحر الأسود ، ولكن تحول التتار الى حلفاء أقوياء للعثمانيين عام1475 للميلاد حال دون تحقيق الروس لأهدافهم. وإستطاع القيصر الروسي بطرس الكبير خلال الاعوام من1689 الى1725 الميلادي من تحقيق إنتصارات عسكرية على شبه جزيرة القرم ، وفي سواحل البحر الأحمر التي كانت للدولة العثمانية سيطرة عليها. جاءت السيطرة الكاملة للروس على شبه جزيرة القرم عام1783 الميلادي بعد سيطرة الروس على إمارة قازان وإستراحان توجهوا الى الشرق والجنوب الشرقي ، فاستطاعوا في القرن السابع عشر الوصول الى سبيريا بعد أن عبروا نهر آمواداريا ، وفي الجنوب الشرقي أجبروا إمبراطور الصين آنذاك على الدخول معهم في إتفاقيات ثنائية لتقسيم النفوذ في تلك المناطق فكانت إتفاقية نرشينسك عام1689 الميلاد والتي كانت مدتها200 عاما وفي الشرق تمكن الروس من بسط نفوذهم على جزيرة كامشتكا خلال القرن التاسع عشر وعقدوا إتفاقا مع سكان جزر كوريل
الزحف نحو المناطق الاسلامية
بعد إحتلال إمارة إستراخان زحف الروس نحو المناطق الاسلامية الواقعة الى الجنوب الشرقي من إمارة الروس في موسكو ، وخلال زحفهم على مناطق قفقاس واجهوا مقاومة عنيفة من قبل شعوب تلك المناطق ، ولكن القوات الروسية المجهزة بأسلحة جيدة تمكنت من دحر مقاومتهم فالتحقت بهم شعوب مناطق كاباردين وأوستين وكانت غالبيتهم العظمى مسيحيون. وكان الى الشرق منهم يعيش شعب الشركس الذين لم يكن بمقدورهم مقاومة الروس طويلا بالرغم من تلقي مساعدات من الدولة العثمانية. وبعد الشركس زحف الروس بإتجاه الشيشان وداغستان الواقعتين في المناطق الجبلية العالية شرقي قفقاس. قاوم الشيشانيون والداغستانيون الروس مقاومة شديدة ولسنوات طويلة بحيث سجل التاريخ لهم تلك المقاومة وظهر من بينهم أبطال من أمثال الشيخ شامل والى الجنوب من الداغستان وخلف جبال القفقاس كانت مناطق جورجيا التي زحف اليها الروس بأمل الوصول الى بحر قزوين المطل على الاراضي الايرانية ، وكان الشعب الجورجي قد إعتنقوا المسيحية خلال القرن الرابع الميلادي. إتبع ملك جورجيا سياسة التقرب الى الروس من أجل الحفاظ على إستقلالهم وهويتهم فتحالف مع الروس عام1801 للميلاد ، ولكن قعت جورجيا في قبضة الروس بالكامل في زمن جورج الثامن وفي عام1823 الميلادي تمكن الروس من إحتلال مناطق أرمينيا بعد أن إحتلوا بداية عام1813 مدينة باكو الستراتيجية ، وبعد ذلك استطاع الروس الضغط عسكريا على الامبراطورية العثمانية
الزحف نحو المناطق الواقعة جنوب سيبيريا
توجد الى الجنوب من سيبيريا سهول قيرغيزيا التي تسمى اليوم قازاخستان ، فوقعت هذه المناطق بالتدريج خلال قرني الثامن عشر والتاسع عشر تحت سيطرة الروس. وكانت الى الجنوب من قازاخستان تقع مناطق تركستان التي من أشهر مدنها سمرقند وبخارى العلاقات بين أهل هذه البلاد والروس كانت متوترة بإستمرار ، لأن الروس كانوا يطمعون في إحتلالهم ، وكانت تحصل بين الطرفين مناوشات وأحيانا هجمات عسكرية. تمكن الروس من إحتلال تركستان عام1860 الميلادي بعد أن استعانوا بعدد من تجار وأصحاب النفوذ من التتار داخل تركستان. وفي عام1865 سيطر الروس على مدينة طاشقند ، وفي عام1873 الميلادي سيطروا على مدن كييفا وبخارى ، وفي عام1884 الميلادي إحتلوا إمارة خان خوقند ، وفي الاعوام من1881 الى1884 تمكن الروس من إحتلال مدن مرو ، نسا ، سرخس ، وبيهق القريبة من الحدود الايرانية في الجنوب
التحرر من السيطرة القيصرية
بعد إنتصار ثورة أكتوبر من عام1917 تحررت الشعوب الواقعة تحت ظلم القياصرة وبدأت الحركات القومية بالظهور على مسرح الأحداث في سعي الى الاستقلال الكامل من سيطرة الروس ، وكانت الشعوب الاسلامية في تركستان وطاجيسكتان وأوزبكستان ، وفي الشيشان والداغستان وآذربايجان قد تحركت لنيل إستقلالها الكامل من قبضة الروس ، فقد عقد مسلمو القفقاس مؤتمرا حاشدا في موسكو في14/5/1917 وقدموا من خلاله مطاليبهم ضمن مقترحين الى الحكومة الروسية المقترح الأول قدم من قبل ممثلي مسلمي آذربايجان وآسيا الوسطى طالبوا بموجبه منحهم حكما ذاتيا في إطار دولة روسيا المقترح الثاني قدمه ممثلوا تتار فولغا والشعوب التي تبعثرت داخل روسيا طلبوا بموجبه منحهم الاستقلال الثقافي ، وكانوا يسعون كذلك الى إقامة حكومة خاصة بهم داخل روسيا في22/4/1918 إتحدت ثلاثة أحزاب في مناطق قفقاسيا وأعلنت عن تشكيل قفقاسيا الموحدة. والأحزاب الثلاثة كانت : حزب المنشفيك/جورجيا ، والحزب الأرمني ، والحزب التتاري الآذربايجاني الديمقراطي. وكانت الأحزاب الثلاثة شكلت في البداية حكومة القفقاس المستقلة وإنفصلوا عن الروس. ومهدت معاهدة برست ـ لينوفسك المبرمة بين روسيا وألمانيا في آذار/مارس من عام1918 الطريق أمام الاستقلال الكامل لمناطق أوكرانيا وقفقاس ، وكانت النتيجة الاعلان عن قفقاسيا الموحدة وقد سرت موجة من التحرر وتشكيل حكومات مستقلة في البلاد التي سيطرت عليها الروس في زمن القياصرة ، ولكنها لم تدم طويلا حيث عاد الروس الى إحتلالها مجددا في زمن البلاشفة الروس
التحرك باسم الأخ الأكبر
الجنرال الروسي كوروباتكين كان حاكما عاما في تركستان الشرقية ، فقال في مؤتمر للوطنيين التركستانيين يوم21/8/1916: ينبغي أن يكون للروس في كل أرجاء روسيا دورا كبيرا ورئيسيا وينبغي أن يمسكوا بزمان شؤون الدولة قبل غيرهم ، لأنهم ساهموا أكثر من غيرهم في بناء روسيا. والشعوب الكثيرة الواقعة داخل روسيا كلها لإب واحد وهو إمبراطور روسيا الكبير ، وكلها من أم واحدة وهي روسيا الكبرى. وفي داخل هذه الأسرة الكبيرة ينبغي أن يكون الروس هم الأخ الأكبر للجميع هذه الفكرة وهذه الروحية إنتقلت الى قادة الروس من البلاشفة فتعاملوا مع الشعوب من غير الروس بنفس الأسلوب واعتبروا أنفسهم أخا أكبر لتلك الشعوب ، ولما رفضت هذه الشعوب الخضوع لهم واجهوهم بأعنف طريقة وبقسوة شديدة قالت أنا بنكروتوفا عضوة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الروسي في كتابها "أمة الروس العظيمة": أن الشعب الروسي العظيم ساهم بشكل منقطع النظير في التغيير الاقتصادي والثقافي للشعوب غير الروسية داخل الاتحاد السوفيتي. عليه فإن هذه الشعوب مدينة لهم وعليها أن تشكر الروس العظام الذين ساعدوهم من أجل التحرر في زمني القيصر والسوفيتي الحالي. وفي الحقيقة فإن على تلك الشعوب أن تكون ممتنة لروسيا القيصرية التي ضمتهم اليها ، لأنه لم يكن بمقدورهم التعامل مع الثقافة والتطور الموجودان لدى الروس
معاناة الشعوب الإسلامية داخل روسيا
تعرضت الشعوب الاسلامية داخل روسيا البلشفية الى التهجير القسري والحصار الاقتصادي والاضطهاد السياسي والتدمير الاجتماعي والثقافي ، وتعرضوا الى هجمات شرسة قام بها الجيش الروسي بعد ثورة أكتوبر فأعاد إحتلال جميع المناطق والشعوب التي كانت قد تحررت للتوه من قبضة القياصرة ، وتعرضوا الى المجاعة المتعمدة بشكل راح ضحيتها الملايين من البشر بعيدا عن توجيه إنتقادات ولو على إستحياء الى الروس كتبت جريدة أزفيستيا في عددها الصادر يوم15/9/1922 حول مجاعة شبه جزيرة القرم قائلة
بلغ عدد الذين أصيبوا بالمجاعة في هذه الجزيرة كالآتي :
أولا: في شهر شباط/فبراير302000 شخص فمات 14413 منهم.
ثانيا: في شهر آذار/مارس أصيب بالمجاعة379000 شخص ، مات 19902 منهم.
ثالثا: في شهر نيسان/أبريل أصيب بالمجاعة 377000 شخص.
ولم يتم الكشف عن عدد الموتى جوعا. وكان عدد سكان الجزيرة عام1917 خمسة ملايين نسمة فبقي منهم عام1940حوالي400 ألف شخص وجاء في رسالة للشيخ محمد عبداللطيف نائب رئيس الأزهر في مصر بالاتفاق مع عدد من أهالي شبه جزيرة القرم اللاجئين الى مصر أرسلها الى الأمم المتحدة حول ما تعرض لها مسلمو روسيا من مجازر ومجاعة ومعاناة على أيد الروس
جاءت في جانب من الرسالة ما يلي:
نورد لكم بإختصار الأساليب المتبعة من قبل الروس للقضاء على المسلمين داخل الاتحاد السوفيتي
أولا: الابادة الجماعية لشعب بأكمله أو لجزء منه ، أو نفيهم الى سيبيريا ومناطق أخرى ليلقوا حتفهم هناك. والمثال على ذلك:
1ـ قتل مئة ألف من أهالي تركستان عام1934 ، وكان من بينهم المئات من العلماء والمثقفين والتجار والفلاحيين ، ونفوا300 ألف شخص الى مناطق بعيدة.
2ـ إعتقال500 ألف شخص خلال الأعوام من1937 الى1939، وأعدموا مجموعات كبيرة منهم ، ونفي الألاف منهم الى مجاهيل سيبيريا
3ـ بلغ عدد القتلى من المسلمين عام1950 سبعة آلاف شخص
4ـ منذ عام1919 والى حين كتابة هذه الرسالة بلغ عدد الهاربين من تركستان فقط مليونان وخمسئة ألف شخص 5ـبلغ عدد الموتى بسبب المجاعة من عام1932 الى1934 ثلاثة ملايين شخص في تركستان وحدها ، لأن الروس استولوا على حقول الحبوب ومخازنها
5ـ نتيجة سياسة الدمج بين البلدان داخل الاتحاد السوفيتي تم تهجير400 ألف شخص من تركستان الى أوكرانيا وأواسط آسيا
6ـ بلغ عدد المعتقلين13565 شخصا عام1915م
7ـ في جزيرة القرم قتل الروس100 ألف شخص تحت المجاعة ، وأجبروا50 ألف آخرين على الرحيل وعلى صعيد الهدم والتدمير فقد إرتكب الروس أعمالا يندى لها جبين الانسانية لقد بلغ عدد المساجد التي حولت الى أماكن للهو وأماكن الاستراحة للقوافل وغيرها من النشاطات غير الاسلامية6682 مسجدا ، وبلغ عدد المدارس والمعاهد الدينية والعلمية التي أغلقت7052 مدرسة ومعهدا ، ولم يبق الروس إلا على ثلاث معاهد وهي : مدرسة ديوان بيكي في مدينة بخارى ، ومدرسة بغلربك وبران خان في مدينة طاشقند واشارت الرسالة الى أسماء العلماء وتلاميذة العلم من الذين أعدمهم الروس في مدن بخارى وطاشقند وسمرقند وغيرها من المدن الاسلامية ، كما اشار الرسالة الى أسماء السياسيين والمثقفين الذين أعدمهم الروس أو أبعدهم من تركستان ، وكان من بين الذين قتلوا على أيد الروس : رئيس جمهورية تركستان حاجي خواجه نياز ، ورئيس وزرائه مولانا ثابت ، وقائد منطقة آلطا شريف الحاج ، ووزير الدولة يونس بك ، ووزير التجارة حاجي أبوالحسن ، ورئيس مجلس النواب طاهر بك ، ووزير العمل عبدالله داملا ، ورئيس جمهورية القرم ولي إبراهيم مع جميع وزرائه حيث قتلوا عام1928 ، وكذلك الرئيس الذي خلفه محمد قوباي مع وزرائه عام1930 فالمعاناة والمآسي التي يتعرض لها الشعب الشيشاني اليوم على أيد الروس تحت أمرة رجل المخابرات الروسية فلاديمير بوتين هي إستمرار للمعاناة والفواجع التي تعرضوا لها في القرون الماضية على أيد الروس وعلى مرأى ومسمع من المجتمع الدولي ، وأن جهادهم اليوم هو إستمرار لجهاد أجدادهم وآبائهم ، ولكنه جاء في زمن لا يسمع فيه أحد لإستغاثة المسلمين ، لأن الزمن هو زمن الارهاب وتبادل المصالح بين القوى الكبرى.
يرجع تاريخ تواجد الـتـتـار في شبه جزيرة القرم إلى أيام العصر الذهبي لدولة المغول التتار واحتلالهم للجزيرة في النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي وما تبع ذلك من ظهور كيان مستقل في مطلع العقد الرابع من القرن الخامس عشر لما اصطلح عليه فيما بعد بـ"تتار شبه جزيرة القرم".
أحدث التعليقات