أنت هنا
إضافة تعليق
شهدت العاصمة الأوكرانية كييف يوم الأمس عقد مؤتمر علمي دولي حول "أهمية الموروث الحضاري والفكري لمحمد أسد في عالمنا المعاصر"، وهو مؤتمر نظمه مركز الدراسات والبحوث الإسلامية بالعاصمة، بدعم ورعاية اتحاد المنظمات الاجتماعية "الرائد" أكبر مؤسسة تعنى بشؤون الإسلام والمسلمين في أوكرانيا.
افتتاح المؤتمر كان بكلمة ألقاها د. باسل مرعي رئيس الاتحاد، أكد من خلالها على اهتمام الرائد برعاية المؤتمر وعقده، خاصة وأن شخصية المفكر محمد أسد تشكل حلقة ارتباط وثيقة، ونقطة تلاقي عملية بين الغرب الذي ولد فيه وعاش شبابه، وبين الشرق الذي أحبه واعتنق ديانته وعاش فيه معظم حياته مدافعا عن قضاياه كمفكر وسياسي.
ويرى علماء ومستشرقون في شخصية أسد نموذجا فريدا يقرب الثقافات والحضارات من بعضها، ويعزز إمكانية الحوار فيما بينها، على أساس القواسم المشتركة والاحترام المتبادل وصولا إلى التفاهم، لاسيما وأنه ابن أسرة يهودية ومجتمع مسيحي غربي، ثم مسلم يدافع عن دينه محبا ومحترما لأصله وماضيه.
من هو محمد أسد؟
محمد أسد (أو ليوبولد فايس قبل الإسلام) ولد في مدينة لفيف غرب أوكرانيا عام 1900، وفيها عاش ودرس حتى بلغ من العمر 26 عاما، ليكشف عن شغف كبير بالشرق، ويدرسه ويدرس الإسلام ثم يعتنقه، قبل أن يترحل بين دوله، ويصبح جزءا من تاريخه وأبرز شخصياته في العصر الحديث.
ولما تركه في ساحات الفكر من أثر وكتب ومقالات، يعتبر أسد محل فخر لأوكرانيا، وللنمسا التي تنسبه إليها على اعتبار أنه درس في فيينا عدة أعوام، وأن لفيف كانت خاضعة للإمبراطورية النمساوية الهنغارية عند ولادته، وحتى لبولندا التي حكمت مملكتها المدينة مطلع القرن الماضي.
كما يعتبر فخرا لدول عربية وإسلامية كثيرة، ومن أبرزها ليبيا حيث التقى بعمر المختار والشيخ أحمد الشريف، وشارك بالقتال فيها إلى جانب الثوار ضد المستعمر الإيطالي، والسعودية التي كان فيها مستشارا مقربا من الملك عبد العزيز وابنه الأمير فيصل، وباكستان التي منح جنسيتها عرفانا لنشاطه التحرري ضد الإنجليز، وكان سفيرا لها في الأمم المتحدة، وأخيرا لأسبانيا التي توفي فيها ودفن عام 1992.
وفي هذه الدول جميعها وغيرها توجد عدة متاحف عن حياته، وتسمى عدة شوارع وساحات باسمه تخليدا لذكراه.
محور الحوار
وخلال فعاليات المؤتمر قال يوري كاتشوبيه المستشرق وسفير أوكرانيا السابق لدى فرنسا، قال إن الحاجة تتعاظم في أوروبا إلى دراسة شخصية محمد أسد والبناء عليها، خاصة مع تعاظم وجود المسلمين فيها، وتنامي ظاهرة الخوف منهم أو العنصرية ضدهم.
ورأى البروفيسور محي الدين خير الدينوف أن حياة أسد دارت حول محور الحوار، الذي قال عنه في أحد كتبه: "نحن بحاجة إلى الحوار. كنت أعتقد أن المسلمين بربر متخلفون. نحن لا نفهم بعضنا البعض".
وفي سياق متصل، قال الأستاذ سيران عريفوف المفكر الإسلامي ورئيس الهيئة التشريعية لاتحاد المنظمات الاجتماعية "الرائد" - راعي المؤتمر وأكبر مؤسسة تعنى بشؤون الإسلام والمسلمين في أوكرانيا – قال إن حياة أسد تدل على أنه لم ينس أصله الغربي، بل كان يحبه ويحترمه ولم ينسلخ عنه، وهذا يتجلى حتى في كنيته التي اختارها بترجمة معنى كلمة مدينته "لفيف".
وعبر عريفوف عن أسفه لعدم دراسة شخصية أسد في أوكرانيا التي توجد فيها أكثر من 130 فئة عرقية ودينية، في حين خاض الغرب فيها لمكانتها الفكرية الحضارية.
دفاع عن الإسلام
وإلى جانب الاهتمام بالحوار، اهتم محمد أسد كثيرا بالدفاع عن دينه الإسلام، فكتب آلاف المقالات وألف عشرات الكتب بعدة لغات كان يجيدها لتتوسع مساحة تأثيرها، وخاصة الألمانية والإنجليزية.
يقول ميكولا كيريوشكا رئيس مركز الدراسات الإسلامية في العاصمة كييف منظم المؤتمر، يقول إن أسد كتب أكثر من 16 ألف مقالة أنصفت الإسلام ودحضت الشبهات عنه، حتى أن بعضها كتبت قبل أن يعتنق الإسلام بعدة سنوات.
ويشير إلى أنه ترجم معاني القرآن إلى الإنجليزية عندما انتشر استخدام ترجمته الحرفية لأهداف سياسية تشويهية، وألف عشرات الكتب بأسلوب تعريفية غير مباشرة وقريبة إلى نفوس شعوب الغرب، ومن أشهرها كتاب "الطريق إلى مكة"، و"الإسلام على مفترق الطرق"، و"مبادئ الدولة في الإسلام"؛ كما كان يحلل في كثير من مقالاته الظروف التي أدت إلى ظهور "طوائف وتيارات شيعية وصوفية وسلفية متطرفة".
هم البشرية
ويشير د. أمين القرم الباحث في التاريخ إلى أن أسد كان يحمل هم جميع الشعوب، ولم يكن يرى في الإسلام حلا لمعضلات المسلمين فحسب، بل كا يرى فيه مستقبل البشرية وخلاصها.
ويشير في هذا الصدد إلى بعض الجمل من كتاب "الطريق إلى مكة"، حيث يقول أسد: "رسالة الإسلام أعطت تصورا، ومنحت البشرية حضارة لا مكان فيها للقومية، لا مصالح شخصية، لا طبقية، لا كنيسة، لا كهنة، لا طبقة نبلاء متوارثة، في الحقيقة، لا شيء متوارث على الإطلاق. من أهم الميزات في هذه الحضارة أنها نشأت عن قناعة واتفاق تطوعي بين معتنقيها".
أوكرانيا برس - الجزيرة نت
أحدث التعليقات