أنت هنا
إضافة تعليق
من العلوم يقيناً أن الإيمان بالله الواحد الأحد حين يتغلغل في النفوس وتخالط بشاشته القلوب هو أول سلاح يتسلح به المؤمن الداعية في مواجهة صراع الحياة وفي مجابهة مغريات الدنيا سواء أكان الداعية متقهقراً أو متقدماً ؟ وسواء أكان مهاجماً أو مدافعاً وسواء أكان منتصراً أو ممتحناً .
فبدون الإيمان يبطل كل سلاح ويبطل كل إعداد وتبطل كل ذخيرة .
بالإيمان أن يعتقد الداعية من قرارة وجدانه أن الآجال بيد الله وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء كتبه الله له وأن اجتمعت على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه .
وعلى المؤمن أن يضع نصب عينيه قول الحق سبحانه :"قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون".
وأن يردد صباح مساء قوله جل جلاله :"فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون".
فبهذا الاعتقاد وبهذا الشعور يتحرر المؤمن من الخوف والجبن والجزع ويتحلى بالصبر والشجاعة والإقدام ويهتف من أعماق قلبه بما هتف به الإمام علي كرم الله وجهة حين كان يجابه الأعداء.
أي يومي من الموت أفر *** يوم لا يقدر أو يوم قدر
يوم لا يقدر لا أرهبه *** ومن المقدور لا ينحو الحذر
أقول لها وقد طارت شعاعاً *** من الأبطال ويحك لت تراعي
فإنك لو سألت بقاء يوم *** على الأجل الذي لك لن تطاعي
فصبراً في مجال الموت صبراً *** فما نيل الخلود بمستطاع
الإيمان أيضاً أن يعتقد المؤمن من سويداء قلبه أن الأرزاق بيد الله وأن ما بسطه الله على العبد لم يكن لأحد أن يمنعه وأن ما أمسكه عليه لم يكن لأحد أن يعطيه وأن ما قدر لماضغيه أن يمضغاه لابد أن يمضغاه وأن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها وعلى المؤمن أن يضع نصب عينيه قول الحق سبحانه :" إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعبادة خبيراً بصيراً" .
وأن يردد صباح مساء قوله جل جلاله :"أمن هذا الذي يرزقكم إن مسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور".
فبهذا الاعتقاد وبهذا الشعور يتحرر المؤمن من الحرص الزائد على الدنيا والإلحاح بالطلب ويتحرر أيضاً من الشح النفسي والتقتير المزري والإمساك الشائن ويتحلى بمعاني الكرم والإيثار والعطاء بل يرى السعادة في القناعة وعيش الكفاف فإذا قنعت النفوس رضيت بالقليل وكفاها اليسير .
ورحم الله الإمام الشافعي حين قال:
النفس تجزع أن تكون فقيرة *** والفقر من غني يطغيها
وغني النفوس هو الكفاف فإن أبته *** فجميع ما في الأرض لا يكفيها
والإيمان كذلك أن يعتقد المؤمن من أعماق أحاسيسه ومشاعره أن الله سبحانه معه يسمعه ويراه ويعلم سره ونجواه ويعلم خائنة العين وما تخفي الصدور .
وعلى المؤمن أن يضع نصب عينيه قول الحق سبحانه : "ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ...".
وأن يردد صباح مساء قوله جل جلاله :"وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين".
فبهذا الاعتقاد وبهذا الشعور يتحرر المؤمن من ربقة الهوى ونزغات النفس المارة بالسوء وهمزات الشياطين وفتنة المال والنساء ويتحلى بالمراقبة لله والإخلاص له أمانة وجدية وإتقان بل يكون إذا مشى في الناس إنساناً سوياً وبراً تقياً وريحانه طيبة الشذى وشامة في المجتمع يشار إليه بالبنان.
بل يتمثل بما تمثل به شاعرنا الإسلامي حين قال:
إذا ما خلوت الدهر يوماً *** فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة *** ولا أن ما تخفي عليه يغيب
فعلى هذه المعاني من الإيمان ينبغي أن يتكون الداعية ويواجه بها صراع الحياة...
أحدث التعليقات